عكست الزيارة الأولى للمستشار الألماني فريدريش ميرز إلى الولايات المتحدة الأمريكية، 5 يونيو 2025، وبعد شهر من توليه مقاليد السلطة في ألمانيا، ولقاءه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حدود التوافق الأمريكي حول فرص تسوية الصراع الروسي الأوكراني، ووقف الحرب التي شكلت تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي، وما إذا كانت الرؤية الألمانية التي تجسد الموقف الأوروبي الداعم لأوكرانيا تتقاطع مع الخطة الأمريكية الرامية لوقف الحرب، التي لا زالت تواجه تحديات متنوعة انعكست على مفردات خطاب ترامب مؤخرًا تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بما جعل ترامب لا يعتقد بأن روسيا وأوكرانيا ستبرمان اتفاقًا.
قضايا متنوعة
إذا كانت تسوية الصراع الروسي الأوكراني البند الأبرز في مناقشات ترامب وميرز، إلا أن ثمة تنوع للقضايا التي طُرحت للنفاش خلال زيارة ميرز إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
(*) تسوية الصراع الروسي الأوكراني: شكل الصراع الروسي الأوكراني القضية الأبرر في مناقشات ترامب وميرز، لا سيّما أن الصراع شكّل تهديدًا للأمن الأوروبي دفع بسباق تسلح محموم داخل القارة الأوروبية، كانت ألمانيا في مقدمة تلك الدول التي أعلنت موازنة عسكرية ضخمة وصلت 100 مليار يورو، يونيو 2022، لمواجهة التوسع الروسي. لذلك أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال لقائه بالمستشار الألماني فريدريش ميرز، في واشنطن، إلى أن بوتين يريد السيطرة على أوكرانيا بشكل كامل، مضيفًا أنه سيكون من الرائع أن ينتهي هذا النزاع وربما سينتهي، وأننا سننجح فى نهاية المطاف من وقف إراقة الدماء. من جانبه اعتقد المستشار الألماني ميرز أن واشنطن وبرلين تتفقان على وضع نهاية للحرب في أوكرانيا، وعلى مدى فظاعتها وضرورة السعي معًا لإيجاد سبيل لإنهائها.
(*) فرض الرسوم الجمركية: شكلت الرسوم الجمركية بندًا مهمًا في مناقشات ترامب وميرز، لا سيّما وأن ترامب يعتقد بأن الدول الأوروبية استنزفت قدرات الاقتصاد الأمريكي من خلال الحصول على مزايا ومنافع داخل السوق الأمريكية مقابل رسوم جمركية منخفضة. وهو الأمر الذي جعل ترامب يتجه نحو زيادة الرسوم الجمركية على العديد من دول العالم، منها الدول الأوروبية وبطبيعة الحال منها ألمانيا، إذ فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 25% على المركبات وقطع الغيار المستوردة، فضلًا عن الرسوم الجمركية المؤقتة البالغة 10% على جميع السلع. وهو الأمر الذي جعل المستشار الألماني ميرز يعلن خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب تهدد اقتصاد بلده، وأنه يعتقد بأن التجارة الحرة والأسواق المفتوحة هما أفضل سبيل لتحقيق الرخاء المشترك.
(*) مستقبل حلف الناتو: يشكل مستقبل حلف الناتو إحدى القضايا المركزية في العلاقات الأمريكية الأوروبية بشكل عام والأمريكية الألمانية تحديدًا في ظل محورية الدور الألماني داخل القارة الأوروبية، وتوقع العديد من التحليلات بأن الدور الألماني مرشح لقيادة القارة الأوروبية. وفي ظل الدعوات الألمانية المتكررة التي تطالب بأهمية وجود جيش أوروبي مستقل لحماية القارة الأوروبية من مخاطر التهديدات الداخلية والخارجية، يبقى مستقبل حلف الناتو رهنًا بالتوجهات الأمريكية، إذ يطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بزيادة إنفاق الدول الأعضاء في حلف الناتو إلى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تطالب بوقف توسع حلف الناتو شرقًا بوصفه شرطًا مسبقًا لإنهاء الحرب ضد أوكرانيا.
حدود التوافق
على الرغم من الاتفاق الأمريكي الألماني على ضرورة إنهاء الحرب وتسوية الصراع الروسي الأوكراني، إلا أن ألمانيا تتبنى الرؤية الأوكرانية والمدعومة أوروبيًا، التي تنطلق من ضرورة إنهاء الوجود الروسي في أوكرانيا، وعودة الأراضي التي احتلتها روسيا بعد حربها على أوكرانيا، والحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية.
في مقابل ذلك تقوم خطة السلام الأمريكية المقترحة على الاعتراف بضم روسيا للأقاليم الأربعة التي احتلتها روسيا في ظل رفض أوروبي لذلك، ومع ذلك الرفض والتحفظ ثمة قناعة ألمانية بالدور الحاسم لترامب بتسوية الصراع. وهو ما أشار إليه المستشار الألماني، خلال زيارته لواشنطن، إذ أبلغ ترامب بأنه الشخصية الأهم في العالم القادرة فعليًا على فعل ذلك من خلال ممارسة الضغط على روسيا. وربما تراهن الدول الأوروبية ومنها ألمانيا على التحول في خطاب ترامب خلال الآونة الأخيرة إزاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعزم ترامب فرض عقوبات على روسيا إذا استمر الصراع دون تسوية، إذ كتب ترامب على منصة ثروت سوشيال "كانت لديَّ دائمًا علاقة جيدة جدًا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن شيئًا ما أصابه، قلت دائمًا إنه يريد أوكرانيا كلها وليس جزءًا منها فقط، وربما يتضح أن هذا صحيح، لكنه إن فعل فسيؤدي ذلك إلى سقوط روسيا".
مجمل القول، ثمة توافق أمريكي ألماني على تسوية الصراع الروسي الأوكراني، ومحورية الدور الأمريكي، وأن ترامب يمتلك أدوات التأثير والضعط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاستجابة لذلك التوجه، إلا أن استمرار التصعيد الروسي الأوكراني يُشكل تهديدًا لفرص التسوية. وهو الأمر الذي يتطلب انطلاق مفاوضات ثلاثية أمريكية روسية أوكرانية للاتفاق على البنود الرئيسية للتسوية التي يجب أن تحظى بالتوافق الروسي الأوكراني.