الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

موقع الإغاثة الإسرائيلي تحول إلى مذبحة.. تفاصيل مرعبة لـ"فخ المساعدات"

  • مشاركة :
post-title
إطلاق نار كثيف على حشود من الفلسطينيين أمام موقع مؤسسة غزة الإنسانية الإسرائيلية

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في زمن تحكمه المجاعة، تصبح لقمة الخبز هدفًا يتبعه الفلسطينيون كما يُطارَد الماء في الصحراء، لكن ما حدث فجر الأحد الماضي عند موقع إغاثة جنوب رفح الفلسطينية، فاق المأساة وتجاوز الجوع، بعدما تحوّل الطريق إلى الخبز إلى مرمى نيران ودخان ورصاص.

وبين الرمال الموحلة بالدماء، وبقايا صناديق المساعدات الممزقة، تروي مقاطع الفيديو وشهادات الناجين قصة كارثية عن جوعٍ أردته البنادق، ومساعدةٍ تحوّلت إلى كمين دموي، في منطقة تسيطر عليها الدبابات الإسرائيلية وتغلفها وعود المجتمع الدولي بالإنقاذ.

توثيق يورط جيش الاحتلال

وحسب تحقيق أجرته شبكة CNN الأمريكية، استند إلى مقاطع فيديو وتحليلات خبراء وشهادات ناجين، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي نيرانًا مباشرة باتجاه حشود من الفلسطينيين في أثناء محاولتهم الوصول إلى موقع إغاثة مغلق في جنوب رفح، يقع على شارع الرشيد الساحلي، صباح الأحد.

وأفاد أكثر من 12 شاهد عيان، بينهم مصابون، بأن إطلاق النار بدأ قبل ساعات من فتح بوابات الموقع، واستمر بشكل متقطع من الساعة 3:30 فجرًا، واستهدف جموع المدنيين الذين كانوا يصطفون في منطقة دوار العلم، على بُعد 800 متر من الموقع الذي تديره مؤسسة GHF للإغاثة الإنسانية المثيرة للجدل، وهي جهة مدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا.

مقاطع الفيديو ، وفق CNN، وثّقت إطلاق نار كثيف من جهة الدبابات الإسرائيلية القريبة، كما سُمع صوت رشاشات ثقيلة تتطابق، وفق خبراء أسلحة، مع تلك المركَّبة على دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي، بينما يركض المدنيون مذعورين أو يتوارون خلف الحواجز الترابية.

تصريحات متضاربة

في البداية، نفى جيش الاحتلال الإسرائيلي، على لسان متحدث باسمه، إطلاق النار على المدنيين قرب موقع الإغاثة أو داخله، لكن في وقت لاحق، أقر مصدر عسكري بإطلاق "طلقات تحذيرية" تجاه "مشتبه بهم" على بُعد كيلومتر تقريبًا من الموقع.

ورغم وضوح الصور وتواتر الشهادات، أعاد إيفي ديفرين، المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، التأكيد على نفيه خلال مؤتمر صحفي عُقد الثلاثاء، قائلًا إن ما ورد "دعاية حماسية كاذبة"، وأضاف أن "الحادثة لم تحدث".

وأشار ديفرين إلى أن أرقام الضحايا التي أوردتها وزارة الصحة الفلسطينية "مبالغ فيها"، دون أن يقدّم تقديرًا رسميًا لعدد الضحايا الذين سقطوا في الحادثة.

حصيلة مأساوية

بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، استُشهد 31 فلسطينيًا على الأقل وأُصيب العشرات خلال ما اعتُبر أعنف حادثة أثناء توزيع المساعدات منذ بدء الحرب، وتزامنت المجزرة مع تحذيرات الأمم المتحدة من أن آلية توزيع المساعدات الجديدة، المدعومة من الولايات المتحدة، تحولت إلى "فخ مميت".

وتجمع آلاف الفلسطينيين قبل الفجر في المنطقة الرملية القريبة من موقع الهلال الأحمر الفلسطيني، على أمل الظفر ببعض صناديق الغذاء، إلا أن ما واجهوه كان مشهدًا من الرعب والرصاص.

مقاطع فيديو من تطبيق "تيك توك"، وثقتها CNN، أظهرت رجالًا يصرخون لتحذير الآخرين من التقدّم: "لا أحد يتحرك، ابقوا في أماكنكم"، بينما تتناثر الذخائر الحية والمتفجرة قرب الحشود.

شهادة من داخل الجحيم

يروي محمد صقر (43 عامًا)، وفق CNN، كيف شاهد من حوله يُقتلون بطلقات في الرأس، بينما كان ملقى على الأرض متظاهرًا بالموت، فقط ليمنح نفسه فرصة للوصول إلى صندوق غذاء، قائلًا: "نجونا من ليلة كانت أسوأ مما تخيلنا.. الموت والجوع كانا واقع الناس في سعيهم إلى الطعام".

في الخامسة صباحًا، وبعد ساعات من الذعر، فتحت مؤسسة GHF أبواب موقعها، ليتدافع المئات باتجاه صناديق الطعام المحدودة، وسط استمرار إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في المناطق المجاورة، حسب شهود عيان.

وتُظهر لقطات المراقبة التي نشرتها المؤسسة اشتعالًا مفاجئًا لعيار ناري في السماء، في اللحظة ذاتها التي كان الناس يتزاحمون فيها للوصول إلى المساعدات.

مع بزوغ شمس الأحد، ظهرت الحقيقة جلية، إذ عُثِر على جثث ملطخة بالدماء ملقاة على الرمال، بعضها على مسافة نصف ميل من موقع التوزيع، بحسب مقاطع فيديو تم توثيقها.

مصداقية على المحك

لم يتوقف العنف عند هذا الحد، ففي اليومين التاليين، الاثنين والثلاثاء، تكررت حوادث إطلاق النار قرب نفس الموقع، ما أثار مزيدًا من الأسئلة حول جدوى استمرار هذه الآلية لتوزيع المساعدات.

وأقرّ الجيش الإسرائيلي في هذه المرات بإطلاق "طلقات تحذيرية"، فيما شددت GHF على أن النيران لم تطلق داخل مواقعها أو بالقرب منها، وأكدت أن الحوادث "وقعت على بُعدٍ كبير من نقاط التوزيع".

في الوقت نفسه، كان آلاف الفلسطينيين يتوجهون سيرًا على الأقدام عبر شارع الرشيد في القطاع المحاصر، حيث يستمر الحصار الإسرائيلي منذ أكثر من 11 أسبوعًا، وسط يأس متصاعد وقلق متنامٍ من أن يكون الجوع وسيلة أخرى من وسائل الحرب.