الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مهام مشبوهة.. استقالات وشكوك حول أنشطة منظمة غزة الإنسانية

  • مشاركة :
post-title
صورة تعبيرية

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

بينما يتضور سكان غزة جوعًا تحت الحصار والقصف، تكشفت ملامح خطة مساعدات مشبوهة تقودها منظمات وشركات غربية بدعوى الإغاثة، لكن جوهرها كما تكشف وثائق وتحقيقات لا يمت بصلة للإنسانية، ففي الوقت الذي يُفترض أن يحمل الخبز خلاصًا، تُحمل معه كاميرات تجسّس، وأهدافٌ أمنية، وخرائط تهجير.

وبينما تتحدث سويسرا عن احتمال فتح تحقيق جنائي ضد مؤسسة "غزة الإنسانية"، تُنذر كل الأدلة بأن ما يُطبخ خلف الكواليس هو أكثر من خطة إغاثة، بل مشروع سياسي عسكري مموّه بعباءة المساعدات.

استقالة رئيس المنظمة

في تطور جديد يسلط الضوء على التحديات التي تواجه عمليات الإغاثة في غزة، أعلن جيك وود، المدير التنفيذي لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، استقالته من منصبه في ساعة متأخرة من مساء الأحد، احتجاجًا على ما وصفه بـ"انعدام القدرة على الالتزام بالمبادئ الإنسانية الأساسية". وقال "إن المنظمة، التي أُنشئت لتوزيع المساعدات في القطاع ضمن خطة مثيرة للجدل تدعمها إسرائيل والولايات المتحدة، لم تعد قادرة على العمل بما ينسجم مع مبادئ: الإنسانية، الحياد، النزاهة، والاستقلال".

رغم الاستقالة، أعلنت المؤسسة، التي تتخذ من جنيف مقرًا لها، عزمها المضي قدمًا في إيصال المساعدات إلى غزة بدءًا من يوم الاثنين، مؤكدة في بيان أنها "تخطّط للتوسع بسرعة لخدمة جميع سكان القطاع خلال الأسابيع المقبلة"، وأكدت التزامها بتوزيع نحو 300 مليون وجبة غذائية خلال أول 90 يومًا من بدء عملياتها، في محاولة لسد فجوة إنسانية هائلة في القطاع المحاصر.

اتهامات خطيرة

أعلنت السلطات السويسرية يوم الأحد أنها تدرس فتح تحقيق جنائي في أنشطة المؤسسة المزعومة التي تحمل اسم مؤسسة "غزة الإنسانية" (GHF)، وهي منظمة سويسرية غير ربحية يفترض أنها تتولى توزيع المساعدات في غزة، بالتعاون مع شركة أمريكية تُدعى (Safe Reach Solutions (SRS.

وتأتي هذه الخطوة عقب شكويين قانونيتين رفعتها منظمة TRIAL السويسرية، اتهمت فيهما المؤسسة بعدم الحياد، والمساهمة الفعلية في تهجير المدنيين الفلسطينيين، وهو ما يتعارض مع القانونين السويسري والدولي.

في تصريح لوكالة "رويترز"، قالت مؤسسة "غزة الإنسانية" إنها "ملتزمة تمامًا بالمبادئ الإنسانية، ولن تدعم أي نوع من أنواع التهجير القسري للمدنيين".

لكن هذه التأكيدات لم توقف الشكوك المتصاعدة، خاصة بعد كشف موقع "Ynet" العبري عن أزمة داخلية تعصف بالمنظمة، فقد استقال المحامي السويسري ديفيد كولر، أحد الأعضاء الثلاثة في إدارتها، قبل أسبوعين فقط، وهو العضو السويسري الوحيد فيها.

من يقف وراء المنظمة؟

تشير الوثائق التي نشرتها منظمة "شوماريم" العبرية إلى أن الشخص المُدرج كمؤسس لـ GHF هو "ناثان موك"، المدير التنفيذي السابق لمنظمة World Central Kitchen، لكن موك صرح لصحيفة "فايننشال تايمز" الأسبوع الماضي بأنه لا علاقة له بمجلس إدارة المنظمة، نافيًا أي صلة رسمية بها.

هذا التضارب في الروايات زاد من غموض أهداف المؤسسة وعلاقاتها المحتملة بشبكات أمنية وسياسية دولية.

أما شركة SRS الأمريكية، الشريكة في عملية توزيع المساعدات، فتشير الوثائق، حسب "يديعوت أحرنوت" إلى أنها لا تكتفي بإيصال الغذاء، بل تتولى تنفيذ عمليات ذات طابع عسكري واستخباراتي، إذ أُوكل إليها تشغيل حواجز، معالجة معلومات بصرية، وتحديد هويات مقاتلي حماس، باستخدام صور من كاميرات وطائرات مسيّرة وأقمار صناعية، وكل ذلك بدعم معلوماتي من الجيش الإسرائيلي.

وتشير "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" في تقارير حديثة إلى أن الخطة ليست سوى مشروع إسرائيلي يتم تمريره تحت ستار العمل الإنساني، كما بدأت الشركة في الأيام الماضية حملة توظيف عاجلة لأفراد متخصصين في تحليل المعلومات الاستخباراتية البصرية داخل الولايات المتحدة.

أحد موظفي الشركة قال في محادثات داخلية إن "الجو في الشركة يشبه الشركات الناشئة"، رغم كونها مسؤولة عن مهمة شديدة الحساسية داخل منطقة حرب، وهو أمر أثار الشكوك حول تأهيلها وجدّيتها.

منظمات إنسانية ترفض التعاون

أكد المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، أن خطة توزيع المساعدات التي اقترحتها إسرائيل بدعم أمريكي "مصممة لهدف عسكري، وليس إنساني"، مشيرًا إلى أنها محاولة لجرّ السكان إلى الجنوب ضمن خطة تهجير تدريجية.

العديد من منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والدولية رفضت التعاون مع الخطة، مؤكدة أنها تربط المساعدات بالرقابة الأمنية، وتساهم في التطهير العرقي والإبادة الجماعية، كما نددت هذه المنظمات بمحاولة الولايات المتحدة وإسرائيل شراء الولاء السياسي والأمني للفلسطينيين مقابل الخبز.

ووصفت بعض هذه الجهات مؤسسة "غزة الإنسانية" المزعومة بأنها "نسخة إنسانية من "بلاك ووتر"، في إشارة إلى شركة المرتزقة الأمريكية المتورطة في جرائم بالعراق، وفق "واشنطن بوست" الأمريكية.

المساعدات أداة تجويع وتهجير

في موقف واضح، دعت منظمات فلسطينية ومجتمعية الناشطين والمؤسسات في أوروبا والولايات المتحدة إلى تحرّك قانوني ضد الشركات والمنظمات المتورطة في تنفيذ خطة المساعدات المزعومة، واصفة إياها بأنها أداة في حرب إبادة جماعية وتجويع يمارسها الاحتلال على سكان غزة.

وحسب "واشنطن بوست"، فإن الخطة الأمريكية الإسرائيلية تواجه عقبات هائلة، منها غياب دعم من منظمات إغاثة كبرى، وتراجع دول عربية وأوروبية عن تمويل المشروع، لأسباب تتعلق بالمخاوف الأخلاقية من التورط في التهجير القسري.

وتساءلت الصحيفة عمن سيتولى تمويل الخطة وتنفيذها، في ظل الانسحاب الدولي التدريجي، ما يجعلها عرضة للفشل، أو الأسوأ بالتحول إلى أداة صراع سياسية وعسكرية باسم العمل الإنساني.

وبين نفي المؤسسة السويسرية، وتحذيرات الأونروا، وتفاصيل التحقيقات الصحفية الدولية، تتكشّف خيوط خطة لا تشبه الإغاثة في شيء، بل استمرار في استخدام الجوع سلاحًا، إذ صار ما يُطبخ لغزة ليس خبزًا فقط، بل خرائط للتهجير، وبينما تستعد الشاحنات للعبور، ترفع المنظمات الدولية الصوت "لا للتهجير مقابل الغذاء".