شنّت أوكرانيا هجومًا جويًا بطائرات مُسيرة على قواعد روسية؛ مما وضع بوتين في موقف حرج يستوجب الرد، ورغم الخسائر، لم تتأثر القدرات العسكرية الروسية جذريًا؛ بسبب استراتيجية حرب الاستنزاف، إلا أن ذلك يستدعي تدخلًا أمريكيًا لتهدئة الأزمة ومنع تصعيد قد يؤدي لمواجهة مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة.
في الأول من يونيو، شنّت أوكرانيا هجومًا كبيرًا بطائرات مُسيّرة على أربع قواعد جوية روسية، إحداها في سيبيريا، على بُعد حوالي 3000 ميل من كييف. مثّلت هذه العملية المروّعة والمُنسّقة بعناية أطول هجوم نفذته أوكرانيا منذ بدء الحرب الروسية-الأوكرانية عام 2022.
وحول مدى تأثير هذا الهجوم على القدرات العسكرية الروسية، وكيف يُمكن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن يخفف من تصاعد الأحداث، قال جورج بيبي، المدير السابق لقسم التحليل الروسي في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية: "أشك في أن ذلك كان له تأثير كبير على قدرة روسيا على مواصلة الحرب في أوكرانيا"، وفقًا لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وأضاف: "الروس منخرطون في حرب استنزاف. هذه هي الطريقة التي يريدون خوض هذه الحرب بها، هذه الاستراتيجية تخدم مصالحهم، وهذا يعني أنهم لا يسعون إلى تحقيق اختراقات مفاجئة — لا يبحثون عن نقاط ضعف في خطوط أوكرانيا يمكنهم اختراقها واستغلالها. إنهم لا يبحثون عن وسائل لتطويق الأوكرانيين فجأةً من خلال مناورات خاطفة على غرار الحرب العالمية الثانية".
وتابع: "على الرغم من أن القوات الروسية لا تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية بسرعة كبيرة، ولكن عند النظر إلى المؤشرات المهمة في تقييم التقدم في حرب استنزاف، نجد أن أوكرانيا تعاني معاناة بالغة".
الرد الروسي
لا يعتقد "بيبي" أن روسيا ستصعد هجومها، وذلك على الرغم من تجاوز الأوكرانيين خطًا أحمرَ مع القوة النووية الروسية، وهو خط رسمه الروس بوضوح.
وقال: "لكن يبقى السؤال عما سيفعل الروس للرد على هذا؟ هل سيصمتون؟ أظن أن ما سيفعلونه سيعتمد بشكل كبير على كيفية تعامل إدارة ترامب مع هذا الأمر".
وأضاف: "هل يتواصل ترامب مع بوتين ويتحدث معه بجدية بشأن ما حدث ويوضح له أن هذا لم يكن شيئًا شاركنا فيه أو دعمناه وليس شيئًا نريد أن نراه يحدث مرة أخرى، ويطمئن الروس بأننا مهتمون حقًا بصدق بتسوية حقيقية لهذه الحرب تؤدي إلى نهاية مستقرة؟"
أسباب نجاحه
ذكر "بيبي" أنه من الواضح أن هناك ثغرات أمنية لدى الجانب الروسي سمحت بحدوث الهجوم، مثل أمن الحدود، إذ أدخل الأوكرانيون هذه الطائرات المسيّرة إلى عمق الأراضي الروسية بإرسالها عبر الحدود، وفشل مفتشو الروس في اكتشاف ذلك، وهذه هفوة محرجة، حسب وصف المحلل.
وأشار إلى أن هذا يشكل ضغطًا على بوتين للرد بطريقة ما، متوقعًا أن يكون موقف العديد من مستشاريه أنه "لا يمكن تحمّل عدم الرد، لأنّه ذلك سيُرسّخ انطباعًا بأنّ أوكرانيا وحلفاءها في الغرب يمكنهم الاستمرار في تجاوز جميع الخطوط الحمراء الروسية، لا سيما بعد تجاوزهم الخط الأحمر للأمن النووي، والذي تم التعبير عنه بوضوح في عقيدة الاستخدام النووي المعدّلة".
ويرى "بيبي" أن بوتين هو صاحب القرار النهائي، وسواء وافق على ذلك أم لا، فإن من مصلحة أمريكا تهدئة هذا الوضع، لأنه قابل للتصعيد.
مواجهة أمريكا وروسيا
كما يرى أن مثل هذا الهجوم يزيد من احتمالية المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، ما لم تتخذ إدارة ترامب خطوات فعّالة لنزع فتيل الأزمة، وهو أمر في مقدورها فعله.
وقال: "لن يتصاعد الوضع بالضرورة إلى مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، لكن ليس من الصعب تخيّل مجموعة من الظروف التي قد تدفع بوتين إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد أوكرانيا".
واختتم: "الآن، لو فعلت روسيا ذلك وأحدثت دمارًا في كييف ومحيطها بقدر ما تستطيع، فهل ستتراجع الولايات المتحدة وتقول "ليست مشكلتنا".. أعتقد أنه سيتعرض لضغط سياسي هائل للرد، وهذا وضع خطير بلا شك".