أثار نجاح أوكرانيا في ضربة إستراتيجية لسلاح الجو الروسي، الأحد الماضي، باستخدام طائرات مُسيّرة منخفضة التكلفة، في عملية حملت اسم "شبكة العنكبوت"، قلقًا في أمريكا، وحذَّر خبراء أمن من إمكانية توجيه هجوم مماثل على المنشآت الأمريكية باستغلال هذا النهج.
ووصفت صحيفة "واشنطن بوست" العملية بأنها "أكبر ضربة منفردة على موسكو" خلال ثلاث سنوات من الحرب وعرض مذهل للحرب غير المتماثلة.
18 شهرًا من التخطيط
استغرق التخطيط للهجوم الأوكراني الجريء 18 شهرًا، وفقًا لـ"واشنطن بوست"، إذ تم تهريب الطائرات المُسيّرة داخل الأراضي الروسية عبر شاحنات تجارية، وإيقافها بالقرب من المطارات العسكرية، ثم تفعيلها وقيادتها عن بُعد.
النتيجة كانت كارثية بالنسبة لموسكو، إذ تم تدمير 13 طائرة روسية على الأقل، بما في ذلك قاذفات قادرة على حمل أسلحة نووية تشكِّل جزءًا من الردع الإستراتيجي الروسي، بالإضافة إلى إلحاق أضرار بعشرات الطائرات الأخرى.
هذا الهجوم يمثل أحدث مظاهر التسارع في استخدام الهجمات غير المتماثلة، مثلما فعل الحوثيون باستخدامهم صواريخ وطائرات مُسيّرة منخفضة التكلفة نسبيًا، ما دفع الولايات المتحدة لشنِّ حملة قصف انتقامية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب كلفت أكثر من مليار دولار.
أمريكا في مرمى النيران
أثار الهجوم الأوكراني شعورًا بالارتياح بين مؤيدي كييف في واشنطن، لكنه أيضًا أثار إدراكًا مقلقًا، إذ رأت ستايسي بيتيجون، الزميلة في مركز الأمن الأمريكي الجديد والمتخصصة في حرب الطائرات المُسيّرة والردع النووي، أن "البنتاجون يجب أن يكون قلقًا جدًا من هذا الأمر"، لا سيما وأن هجومًا على الطراز الأوكراني باستخدام طائرات مُسيّرة مخفية في حاويات شحن أو شاحنات يمكن جدًا أن يحدث على الأراضي الأمريكية أو ضد القواعد الجوية والبحرية لواشنطن في الخارج.
ومن جهته، أكد جيسون ماثيني، الرئيس التنفيذي لمؤسسة راند والمدير السابق لنشاط مشروعات البحث المتقدم للاستخبارات التي تطور تقنيات متقدمة لوكالات التجسس الأمريكية أن "أي دولة لديها قاذفات إستراتيجية أو صواريخ إستراتيجية وصوامع أو غواصات نووية إستراتيجية في الموانئ تنظر إلى الهجوم وتفكر في أن المخاطر على ترسانتها من مجموعة طائرات مسيّرة في حاويات متنكرة كمقطورة نصف شاحنة تشكِّل خطرًا حقيقيًا".
وقال برادلي بومان، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: "هذا النوع نفسه من الضربات يمكن أن يُنفذ ضدنا"، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة لديها قاذفات ومقاتلات عالية القيمة منتشرة عالميًا.
معادلة التكلفة المقلوبة
يشهد العالم تحولًا جذريًا في طبيعة الحروب، كما أخبر الجنرال برايان فينتون، قائد قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، الكونجرس في أبريل: "طبيعة الحرب تتغير بنسبة أسرع مما رأيناه من قبل، خصومنا يستخدمون طائرات مُسيّرة أحادية الاتجاه تكلف 10 آلاف دولار نسقطها بصواريخ تكلف مليوني دولار.. منحنى التكلفة والفائدة مقلوب رأسًا على عقب".
سيليست والاندر، مساعدة وزير الدفاع للشؤون الدولية في إدارة بايدن، أكدت أن الطائرات المُسيّرة أصبحت أسلحة متعددة الأغراض، موضحة: "يمكن استخدامها كجزء من قتال المشاة، كشكل من أشكال المدفعية، كأصل إستخباراتي لكسب الوعي بساحة المعركة، الجزء الذي لم نكن نتصوره هو ما إذا كان يمكن استخدامها لتهديد القوات الإستراتيجية، وهجوم الأحد جعل ذلك واضحًا تمامًا".
نقاط الضعف الأمريكية
كشفت حوادث سابقة عن ثغرات خطيرة في الدفاعات الأمريكية، إذ استذكر الجنرال المتقاعد جلين فان هيرك، الذي كان قائد القيادة الشمالية الأمريكية المسؤولة عن الدفاع عن الولايات المتحدة القارية حتى فبراير 2024، أنه في ليلة 17 ديسمبر 2023 في قاعدة لانجلي الجوية بفيرجينيا، عندما حلَّقت طائرات غير مأهولة مجهولة الهوية فوق مقاتلات F-22 Raptor "القابعة في العراء" على المدرج، مضيفًا: "كم كانت عرضة للخطر لو أراد شخص ما حقًا اتخاذ إجراء عدائي؟".
المشكلة الأساسية، وفقًا لـ"فان هيرك"، تتمثل في أن الحكومة الأمريكية تتعامل مع الطائرات المُسيّرة المحلية "على أساس إنفاذ قانون وليس من منظور الأمن القومي"، كما أن وزارة الدفاع مكلفة ومخولة بالدفاع عن منشآتها، لكن هذه السلطة تنتهي عند خط السياج الخاص بها.
وللمفارقة أجرت "واشنطن بوست" بحثًا في الصور المتاحة على Google Earth، ووجدت قاذفات B-52 الإستراتيجية جالسة في العراء في قاعدة مينوت الجوية بداكوتا الشمالية وقاعدة باركسديل الجوية بلويزيانا.
التهديدات المستقبلية والاستعدادات
وحذرت الصحيفة الأمريكية من أن الصين، التي تعد أكبر منتج للطائرات المسيّرة في العالم، قد تسعى لاستخدام الطائرات المسيّرة في وقت مبكر من صراع مع الولايات المتحدة حول تايوان، نقلًا عن "بيتيجون".
فيما طرح "فان هيرك" سيناريو أكثر إثارة للقلق: "إذا فكرت بطريقة غير متماثلة، فإن ما ستفعله روسيا أو الصين أو جهة فاعلة أخرى هو محاولة التسلل إلى الولايات المتحدة وبناء أسلحتها من داخل البلاد، أو إذا وضعوا سفينة حاويات تحمل طائرات مُسيّرة في ميناء لونج بيتش أو مكان قريب من بنيتنا التحتية الحرجة، بما في ذلك الموانئ النووية، فسيكون من الصعب جدًا اكتشاف ذلك".
دراسة مجتمع الاستخبارات الأمريكي عام 2018 حول فحص الحاويات في الموانئ وجدت أن فعاليتها "منخفضة حقًا"، كما يقول مسؤول استخباري سابق رفيع المستوى، إن المشكلة تكمن في أن هذه الشحنات غالبًا ما تكون "معاملات تجارية مشروعة تمامًا".
وتوقعت الصحيفة أن يوقِّع ترامب أوامر تنفيذية هذا الأسبوع لتحديث اللوائح الفيدرالية حول أماكن الطيران القانوني للطائرات المُسيّرة التجارية، في ضوء حوادث العام الماضي عندما أثارت مشاهدات طائرات مُسيّرة فوق مواقع حساسة في نيوجيرسي، بما في ذلك منشأة بحثية عسكرية أمريكية ونادي ترامب الجولف في بيدمينستر، هستيريا عامة.