في خطوة يُنظر لها على أنها طوق نجاه للاقتصاد الروسي بعد التهديدات الغربية بفرض عقوبات جديدة على روسيا، رفض كبار مشتري الغاز الطبيعي المُسال الروسي في الاتحاد الأوروبي، دعم حظر الغاز الذي فرضته بروكسل، بحسب صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية.
وتدرس عواصم دول الاتحاد حاليًا إطلاق حملة على مستوى الاتحاد لإجراء تحليل اقتصادي وقانوني، لبحث الإجراءات المترتبة على التخلص من الغاز الروسي، وفقًا لاقتراح بروكسل بإنهاء مشتريات الغاز الروسي تدريجيًا بحلول عام 2027.
ورفضت أكبر شركتين مشتريتين للغاز الطبيعي المسال الروسي في الاتحاد الأوروبي، تأييد خطة بروكسل لحظر الغاز الروسي، بدعوى الحاجة إلى مزيد من التطمينات بشأن العواقب الاقتصادية والقانونية لهذه الخطوة قبل اتخاذ القرار.
في حين انخفضت مشتريات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، لا تزال السفن التي تحمل الغاز الطبيعي المُسال الروسي تشق طريقها إلى محطات التكتل بأحجام أعلى، دون أي عوائق، ما يخلق صداعًا سياسيًا لبروكسل.
ماذا يخطط الاتحاد الأوروبي؟
حدد الاتحاد الأوروبي عام 2027، كموعد نهائي يجب على جميع الدول الأعضاء الـ27، من الدول غير الساحلية إلى الساحلية، أن تتخلص بحلوله تدريجيًا من جميع المشتريات المتبقية من الطاقة الروسية، أبرزها ناقلات الغاز الطبيعي المسال التي تستمر في الوصول إلى شواطئ الكتلة على الرغم من الحرب الوحشية في أوكرانيا.
وسيتم تفكيك الاتحاد تدريجيًا، أولًا، بحظر العقود الجديدة وقصيرة الأجل بحلول نهاية عام 2025، وفي مرحلة ثانية، سيتم إنهاء العقود طويلة الأجل، التي تُمثل ثلثي الغاز الروسي، بحلول نهاية عام 2027، كما سيتم فرض قيود إضافية لتضييق الخناق على الأسطول السري، الذي ينقل النفط الروسي سرًا، ووقف استيراد اليورانيوم الروسي والمواد النووية الأخرى، بحسب "بوليتيكو".
ووفقًا لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف "CREA"، ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال الروسي، عام 2024 بنسبة 9% مقارنةً بالعام السابق، ووصل ما يقرب من 90% من هذه المشتريات، فرنسا (7.7 مليار متر مكعب)، وإسبانيا (5.7 مليار متر مكعب)، وبلجيكا (5.1 مليار متر مكعب).
وسمح غياب القيود للشركات الأوروبية بتوقيع عقود بحرية مع الموردين الروس، بعضها يستمر حتى عام 2040.
تردد فرنسي وبلجيكي
وتريد بلجيكا، التي من المقرر أن تستمر في استقبال وتخزين الغاز الطبيعي المُسال الروسي حتى عام 2035، إجراء محادثات فنية حول تأثير هذه الإجراءات على البنية التحتية للغاز الطبيعي المُسال في بلجيكا، وقال وزير الطاقة البلجيكي ماثيو بيهيت: "نطلب من المفوضية تقديم تقييم شامل لأثر هذه الإجراءات".
وقالت فرنسا، أكبر مشترٍ للنفط في الاتحاد الأوروبي، إنها تُفضل استراتيجية البحث عن مصادر بديلة، بينما طالبت بلجيكا، التي تأتي في المرتبة الثانية، بتقرير يُفصّل التداعيات الاقتصادية قبل اتخاذ أي قرار.
وأضاف وزير الطاقة الفرنسي، مارك فيراتشي، لصحيفة بوليتيكو، "أن ما ندافع عنه هو استراتيجية أوروبية للتنويع، وهي بالفعل مطروحة على الطاولة، في إشارة إلى خطة فرنسا لاستبدال الإمدادات الروسية بالمنتجات القطرية".
ووفقًا لـ"بوليتيكو"، من المتوقع في البداية أن تُصاغ خارطة الطريق هذه في نصوص تشريعية قبل دخولها حيز التنفيذ، خلال المائة يوم الأولى من عمر المفوضية الجديدة، لكنها تأجلت عدة مرات وسط غموض عميق بشأن مساعي دونالد ترامب، لإطلاق مفاوضات بين أوكرانيا وروسيا.
ترحيب إسباني وهولندي
يتعارض هذا التردد مع موقف إسبانيا وهولندا، وهما من كبار مستوردي الغاز الطبيعي الروسي المُسال في الاتحاد الأوروبي، إذ أبديا حماسهما لدعم التشريع المُرتقب، الذي سيُنهي عقود الغاز الروسي، ويحظر المشتريات قصيرة الأجل هذا العام، والعقود طويلة الأجل بحلول عام 2027.
وبالنسبة لإسبانيا وهولندا، ثالث ورابع أكبر مشتريين للغاز الطبيعي المُسال من موسكو داخل الاتحاد الأوروبي، فإن خطط الاتحاد الأوروبي تمثل فرصة ترحيبية لإنهاء علاقاتهما في مجال الطاقة مع روسيا.
وقال متحدث باسم وزارة التحول البيئي الإسبانية: "تدعم إسبانيا مقترح المفوضية الأوروبية بحظر واردات الغاز الروسي في أقرب وقت ممكن من خلال موقف أوروبي مشترك"، رغم أن إسبانيا مُلزمة حاليًا بشراء إمدادات من شركة نوفاتيك الروسية حتى عام 2042، بموجب عقد طويل الأجل مُبرم مع شركة الطاقة المحلية ناتورجي.
إسبانيا المخزون الأكبر
وأضاف متحدث باسم وزارة الاقتصاد الهولندية، أن بلاده أيضًا تواصل دعم التخلص التدريجي الكامل من الغاز الروسي، وتتطلع إلى الاقتراح القانوني من المفوضية الأوروبية، الذي يُمكّننا من التخلص من الكميات المتبقية. وترتبط هولندا حاليًا بعقد توريد طويل الأجل تُشرف عليه شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال إنرجيز، حتى عام 2032.
وبدورها؛ قالت لورا بيج، المحللة المتخصصة في الغاز الطبيعي المسال بشركة كبلر لـ"بوليتيكو"، إن هذا الانقسام يعود إلى حد كبير لإمدادات الغاز، إذ تخرج إسبانيا من الشتاء بمخزونات غاز أكبر تم تجديدها مقارنة بفرنسا وبلجيكا، لافتة إلى أن الحظر لن يسبب أزمة في الإمدادات، ويمكن لجميع الدول شراء كميات متزايدة من الولايات المتحدة وكندا، اللتين من المقرر أن تزيدا من طاقتهما الإنتاجية بدءًا من العام المقبل.
عرقلة من المجر وسلوفاكيا
ومن المرجح أن تحاول المجر وسلوفاكيا عرقلة الحظر، حرصًا منهما على مواصلة ضخ الطاقة الروسية الأرخص، ويدعو العديد من السياسيين ورجال الصناعة إلى العودة للطاقة الروسية بعد الحرب العالمية الثانية، نظرًا لارتفاع فواتير الكهرباء في أوروبا والوضع الاقتصادي المتعثر.
في العام الماضي، استوردت الدول الأربع 16.77 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال الروسي، وفقًا لمنصة "كبلر" للسلع، وهو ما يمثل 97% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي وأكثر من نصف صادرات موسكو العالمية، وأنفقت هذه الدول مجتمعةً أكثر من 6 مليارات يورو على مشتريات الوقود.