الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من المصانع إلى رأس السلطة.. إرث "يون" الثقيل ينتظر الرئيس الكوري الجديد

  • مشاركة :
post-title
انتخابات الرئاسة في كوريا الجنوبية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

ينتخب الكوريون الجنوبيون، اليوم الثلاثاء، رئيسًا جديدًا للبلاد، في انتخابات مبكرة جاءت بعد إقالة الرئيس السابق يون سوك يول، إثر فرضه الأحكام العرفية في ديسمبر الماضي، كما تُعتبر هذه الانتخابات استفتاءً حقيقيًا على فترة حكم يون وحزبه المحافظ، وستحدد مستقبل السياسة الخارجية الكورية مع الولايات المتحدة والصين وكوريا الشمالية.

الانتخابات المبكرة

فاجأ الرئيس يون سوك يول كوريا الجنوبية في 3 ديسمبر 2024 بإعلان الأحكام العرفية، مبررًا قراره بأن البلاد باتت عرضة لـ"القوى الشيوعية"، حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال؛ ما أدى إلى سلسلة من الأحداث المتتالية، وهي عزل يون من البرلمان في 14 ديسمبر، ثم عزل رئيس الوزراء هان دوك-سو في 27 ديسمبر لرفضه تعيينات قضائية معينة، واعتقال يون للاستجواب بتهم التمرد في 15 يناير.

وأقرت المحكمة الدستورية عزل يون رسميًا في أبريل الماضي؛ لتبدأ فترة 60 يومًا كمهلة لإجراء انتخابات جديدة.

وخلال هذه الفترة المضطربة، تناوب على رئاسة البلاد بالوكالة ثلاثة أشخاص مختلفين، مما عمّق حالة عدم الاستقرار السياسي التي تشهدها البلاد.

سباق المرشحين

يتنافس في هذه الانتخابات مرشحان رئيسيان يحملان قصصًا شخصية متشابهة رغم انتمائهما لأطراف سياسية مختلفة، إذ يتصدر لي جاي-ميونج، البالغ من العمر 61 عامًا، مرشح الحزب الديمقراطي الوسطي، استطلاعات الرأي بنسبة 49% حسب مجلة الإيكونوميست، بينما يحصل منافسه كيم مون-سو، البالغ من العمر 73 عامًا، مرشح حزب القوة الشعبية المحافظ، على 40%.

بدأ كلا المرشحين حياتهما كعمال في المصانع وناشطين عماليين، فقد عمل لي، الذي خسر بفارق ضئيل أمام يون في انتخابات 2022، محاميًا ثم عمدة مدينة سونجنام ومحافظ مقاطعة جيونجي، وروّج لأفكار يسارية مثل الدخل الأساسي الشامل، لكنه تبنّى في هذه الحملة سياسات أكثر وسطية لجذب الناخبين المترددين.

أما كيم، فسُجن لمدة عامين في 1986 لقيادته احتجاجات مؤيدة للديمقراطية ضد ما وصفه حينها بـ"الديكتاتورية العسكرية"، لكنه تحول لاحقًا إلى محافظ متشدد وشغل منصب وزير العمل في حكومة يون، كما كان العضو الوحيد في مجلس الوزراء الذي رفض في البداية الاعتذار عن إعلان الأحكام العرفية، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال.

عملية الاقتراع في كوريا الجنوبية
انتخابية بالنكهة الكورية

تميزت الحملة الانتخابية بطابع كوري فريد، إذ أشارت واشنطن بوست إلى أن التجمعات الانتخابية شعرت وكأنها عروض للموسيقى الشعبية الكورية (الكيبوب)، مع حركات راقصة منسقة وألحان جذابة، إلا أن وراء هذا المظهر المرح، تكمن قضايا جدية تتعلق بالأحكام العرفية والعزل والأعراف الديمقراطية.

وكشفت صحيفة نيويورك تايمز أن لي جاي-ميونج، الذي تعرض لمحاولة اغتيال العام الماضي، اضطر للظهور في المؤتمرات الانتخابية مرتديًا سترة واقية من الرصاص ومتحدثًا من وراء زجاج مضاد للرصاص، وهو أمر غير معتاد في السياسة الكورية الجنوبية، رغم انتقاد خصومه لهذا الإجراء واعتباره مسرحية سياسية.

لي جاي-ميونج متحدثًا من وراء زجاج مضاد للرصاص
التحديات الاقتصادية المعقدة

يواجه الرئيس الجديد تحديات اقتصادية جسيمة، أبرزها التعريفات الأمريكية، التي ستكون من أكبر التحديات بعد شهور من غياب رئيس منتخب قادر على التعامل مع إدارة ترامب على أعلى مستوى، حسب "واشنطن بوست".

خفض ترامب التعريفة المقترحة على المنتجات الكورية الجنوبية إلى 10% أثناء المفاوضات التجارية، لكن الصناعات الكورية الرئيسية كالسيارات والصلب والألمنيوم لا تزال تواجه رسومًا جمركية بنسبة 25%.

داخليًا، تشير نيويورك تايمز إلى أن معدل البطالة بين الشباب، ارتفع إلى أعلى مستوى له في أربع سنوات ليصل إلى 6.8% في الربع الأول من هذا العام، كما تواجه البلاد تحديات ديموجرافية خطيرة؛ بسبب انخفاض معدل المواليد، مما يثير المخاوف من استنزاف صندوق المعاشات الوطني البالغ قيمته أكثر من 800 مليار دولار.

رؤى متباينة للسياسة الخارجية

تختلف رؤى المرشحين حول السياسة الخارجية بشكل واضح، إذ يعد لي جاي-ميونج بعدم التسرع في المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة، ويؤكد أن كوريا الجنوبية لا يجب أن تستبعد أو تعادي الصين وروسيا، مما يعكس التفضيل التقليدي للرؤساء التقدميين في كوريا الجنوبية للموازنة بين واشنطن، التي تعتمد عليها البلاد أمنيًا، وبكين المهمة اقتصاديًا ولاحتواء كوريا الشمالية.

في المقابل، يتعهد كيم مون-سو بالدفع نحو قمة فورية مع الرئيس ترامب بشأن التعريفات الجمركية إذا انتُخب، ويؤيد السياسة الخارجية التي انتهجها يون في تقوية العلاقات مع واشنطن وحلف الناتو، بينما تراجعت العلاقات مع بكين خلال فترة يون.

القضايا الاجتماعية

رغم مشاركة الشباب الكوريين الفعالة في الاحتجاجات ضد يون، يشعر الكثير منهم بخيبة أمل من المرشحين الحاليين، إذ تقول آن يي-يونج، البالغة من العمر 20 عامًا، والتي شاركت في المظاهرات، لصحيفة نيويورك تايمز: "فكرتي الوحيدة عن هذه الانتخابات هي الاشمئزاز.. إنها وليمة بلا طعام".

يشكو الشباب من عدم تناول المرشحين لقضاياهم الأساسية مثل البطالة، وإصلاح المعاشات، والتمييز ضد النساء.

كما أن قضايا المرأة، التي كانت محورية في انتخابات 2022، غابت تقريبًا عن برامج المرشحين هذا العام؛ مما أثار استياء النساء الناخبات اللواتي عبّرن عن خيبة أملهن عبر الإنترنت ودوائر النشطاء.

مستقبل محفوف بالتحديات

مع إغلاق صناديق الاقتراع في الساعة 8 مساءً بالتوقيت المحلي وتوقع ظهور النتائج، يواجه الرئيس الجديد، أيًا كان، تحديًا مزدوجًا، وهو استعادة الثقة في منصب الرئاسة وشفاء الانقسامات العميقة في المجتمع الكوري الجنوبي التي تفاقمت بعد أزمة الأحكام العرفية.

وكما ذكرت وول ستريت جورنال، فإن الفائز سيحدد كيفية تعامل سول مع المفاوضات التجارية مع واشنطن، والتوترات مع بكين، والمواجهة مع بيونج يانج، في وقت تتزايد فيه الدعوات الشعبية لامتلاك كوريا الجنوبية أسلحة نووية؛ بسبب المخاوف من التزام الولايات المتحدة بحماية البلاد في حال تعرضها لهجوم من كوريا الشمالية المسلحة نوويًا.