الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

6 ساعات أطاحت برئيس كوريا الجنوبية.. ماذا بعد عزل يون رسميا؟

  • مشاركة :
post-title
المحكمة الدستورية في كوريا الجنوبية تقضي بعزل الرئيس يون سوك يول رسميا

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

من قاعات المحكمة إلى الشوارع الصاخبة، ومن كرسي الرئاسة إلى زنزانة مؤقتة، مشاهد من الدراما السياسية شهدتها كوريا الجنوبية بسقوط رئيسها المنتخب ديمقراطيًا، بعد أربعة أشهر فقط من إعلان مثير للجدل للأحكام العرفية.

ورسمت الأحداث ملامح واحدة من أكثر الأزمات السياسية تعقيدًا في تاريخ البلاد الحديث، فبينما كانت الأنظار تتجه إلى شرق آسيا، جاءت النهاية من المحكمة الدستورية التي وضعت حدًا لحقبة قصيرة، لكنها حبلى بالجدل.

عزل رسمي للرئيس

أعلنت المحكمة الدستورية في كوريا الجنوبية، اليوم الجمعة، قرارًا نهائيًا بعزل الرئيس يون سوك يول من منصبه، بعد أشهر من الاضطرابات السياسية التي فجّرها إعلانه الأحكام العرفية في ديسمبر، وهو قرار، بحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن" الأمريكية، أنهى حالة من الجمود السياسي وأعاد البلاد إلى مسار ديمقراطي دستوري.

وجاء الحكم بالإجماع من قبل ثمانية قضاة، معتبرين أن تصرفات الرئيس تمثل انتهاكًا صارخًا للدستور، ولواجباته كقائد أعلى للقوات المسلحة، إذ استخدم سلطاته لقمع السلطة التشريعية وتجاوز الإجراءات القانونية المقررة لإعلان الأحكام العرفية.

خلفيات الأزمة

بدأت فصول الأزمة عندما ألقى يون خطابًا متلفزًا في وقت متأخر من ليلة شتوية، أعلن فيه فرض الأحكام العرفية، مبررًا قراره بما وصفه بـ"الجمود السياسي" وتهديدات من "قوى معادية للدولة" يُزعم ارتباطها بكوريا الشمالية، وهو القرار الذي أحدث صدمة، ليس فقط في أوساط المعارضة، بل حتى داخل حزبه ومؤيديه الذين وصفوا الموقف بـ"المفاجئ وغير المبرر".

على إثر الإعلان، تدفّق متظاهرون إلى مقر البرلمان، بينما أُظهرت مقاطع مصورة نوابًا يقفزون فوق الحواجز لدخول المبنى وعقد جلسة طارئة، وفي خطوة درامية، نجح البرلمان خلال ساعات في التصويت على إلغاء المرسوم، لتُرفع الأحكام العرفية بعد ست ساعات فقط من صدورها.

الحكم القضائي

أكد القضاة في قرارهم أن إعلان الأحكام العرفية لم يكن له أي أساس واقعي، واعتبروا أن البلاد لم تكن تواجه أزمة تهدد وجودها تبرر مثل هذا الإجراء، كما أشار رئيس المحكمة المؤقت مون هيونج باي إلى أن يون انتهك حقوق المشرعين من خلال إرسال القوات لاحتلال البرلمان، وهو ما يمثل تهديدًا صريحًا للديمقراطية.

وأضاف مون أن الرئيس، بصفته القائد الأعلى، أساء استخدام سلطته بإقحام الجيش في مواجهة مباشرة مع المدنيين، وهو انتهاك خطير لروح الدستور.

ومع صدور الحكم، تباينت ردود الفعل في العاصمة سول، ففي محيط المحكمة، احتفل المعارضون فرحًا بإقالة يون، معتبرين القرار انتصارًا للديمقراطية، ورفرفت الأعلام وعلت أصوات الموسيقى وسط مشاعر الغبطة.

في المقابل، خيم الهدوء على أنصار يون قرب مقر إقامته الرسمي، وعبّر أحد ممثلي الحزب الحاكم عن "الأسف" إزاء الحكم، لكنه أكد احترامهم لقرار المحكمة، واستعدادهم لخدمة الشعب.

ماذا بعد العزل؟

بموجب القوانين الكورية، يجب إجراء انتخابات رئاسية خلال 60 يومًا لاختيار رئيس جديد، ويُعد لي جاي ميونج، زعيم المعارضة والنائب السابق، من أبرز المرشحين المحتملين، لا سيما بعد خسارته أمام يون بفارق ضئيل في انتخابات 2022.

وبعد صدور الحكم، شكر "لي" الشعب الكوري الذي "حمى الجمهورية الديمقراطية"، متعهدًا بالعمل على استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي، ومنع تكرار مثل هذه الأزمات.

أما الرئيس المؤقت هان دوك سو، الذي تولى المنصب الأعلى بعد عزل يون، فأكد التزامه بضمان الأمن القومي وإجراء الانتخابات بما يتوافق مع الدستور وإرادة الشعب.

محاكمات في انتظار يون

رغم مغادرته منصبه، لا يزال يون سوك يول يواجه اتهامات جنائية خطيرة، فقد تم توقيفه في يناير بتهمة قيادة تمرد، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد أو حتى الإعدام، ورغم إخلاء سبيله مؤقتًا في مارس بعد إلغاء مذكرة توقيفه، فإن التهم الموجهة إليه لم تُسقط.

يُذكر أن كوريا الجنوبية لم تنفذ حكم إعدام منذ سنوات، لكن التهمة تُعد من أخطر الجرائم التي يمكن أن تُوجّه لرئيس سابق في البلاد.

وقبل وصوله إلى سدة الحكم في عام 2022، كان يون شخصية بارزة في السلك القضائي، إذ شغل منصب المدعي العام، ولعب دورًا رئيسيًا في التحقيقات التي أطاحت بالرئيسة السابقة بارك كون هيه، والتي حُكم عليها لاحقًا بالسجن بسبب الفساد.

المفارقة التاريخية أن يون، الذي كان أداةً في عزل رئيس، أصبح الآن الرئيس الثاني الذي تقيله المحكمة الدستورية، بل وأقصر رؤساء كوريا الجنوبية حكمًا منذ التحول الديمقراطي.

من البيت الأبيض إلى المحاكمة

في أبريل 2023، وقف يون ضيف شرف في البيت الأبيض بدعوة من الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، حيث شارك خلال عشاء رسمي بأداء غنائي لأغنية "فطيرة أمريكية"، في لحظة رمزية أُريد لها أن تعبّر عن التحالف الاستراتيجي بين سول وواشنطن.

لكن تلك اللحظة لم تكن كافية لحجب التوترات الداخلية التي كانت تغلي في كوريا، إذ واجه "يون" معارضة متنامية في الداخل وخسارة في انتخابات التجديد النصفي وشللًا تشريعيًا تامًا، حاول استخدامه لتبرير قراراته المثيرة للجدل.