يومًا بعد يوم يتغير الحال داخل المجتمع الإسرائيلي، في مواجهة حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، التي تستخدم جيشها لتنفيذ عمليات إبادة واسعة في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
وخلال الأسابيع الماضية، كانت الاحتجاجات تملأ الشوارع، سواء داخل إسرائيل أو خارجها؛ من أجل وقف إطلاق النار وتنفيذ هدنة يتم بموجبها رفع الحصار عن الفلسطينيين وإطلاق سراح المحتجزين المتبقين في القطاع.
رسالة مفتوحة
وفي تطور مفاجئ، ظهرت مجموعة جديدة على الساحة الداخلية الإسرائيلية أطلقت على نفسها اسم "الراية السوداء"، والتي وجهت رسالة مفتوحة موقعة من مئات الشخصيات إلى الحكومة الإسرائيلية تحذرهم من الانهيار الأخلاقي الذي يهدد المجتمع من الداخل.
وظهرت مجموعة "الراية السوداء"، بحسب مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، في العام 2025، كمبادرة أطلقها أكاديميون إسرائيليون بارزون من جامعات ومؤسسات تعليمية مختلفة، في خطوة وصفوها بأنها غير مسبوقة لمساءلة سياسات دولتهم تجاه قطاع غزة.
المعاناة الإنسانية
وفي الرسالة التي وقع عليها 1300 أكاديمي إسرائيلي، اعترفوا بأنهم مسؤولون كمجتمع أكاديمي عن المعاناة الإنسانية الواسعة في قطاع غزة، في إشارة إلى المجاعة المنتشرة بين السكان، والقتل الجماعي للمدنيين.
واعتبر الأكاديميون ما يحدث في قطاع غزة، لم يكن ناتجًا عن سياسات عرضية، بل ناتج عن سياسة متعمدة تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، وطالبوا رؤساء المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل باستخدام نفوذهم لإنهاء الحرب.
إسكات الأصوات
وأكدوا أيضًا أن الجرائم ضد الإنسانية لا تُرتكب من قبل الحكومات وحدها، بل تُرتكب أيضًا من قبل المجتمعات التي تبررها، أو تلتزم الصمت حيالها، أو تسهم في إسكات الأصوات الناقدة داخل الفضاءات الأكاديمية.
وبحسب الرسالة، حذروا من انهيار أخلاقي يتهدد المجتمع الإسرائيلي، وأن التاريخ لن يغفر لأولئك الذين يختارون الصمت في وجه الجرائم الواضحة، ودعوا علنًا إلى تنظيم إضرابات داخل الجامعات لمواجهة ذلك.
الفقه العسكري
ووفقًا لمركز الدراسات، فإن مصطلح "الراية السوداء" نابع من الفقه العسكري الإسرائيلي، حيث يتم استخدامه للإشارة إلى الأوامر التي تكون شرعيتها فادحة لدرجة أن تنفيذ تلك الأوامر يعد جريمة بحد ذاتها من قبل الجنود.
وبموجب هذه القاعدة، يُعتبر الأمر العسكري غير قانوني إذا كان انتهاكه للضمير الإنساني واضحًا وفوريًا، ولا يحتاج إلى تأويل أو تحليل قانوني، ويتناقض مع المبادئ الأساسية للعدالة والإنسانية، ولا يستند إلى مبرر عسكري معقول كالدفاع عن النفس أو الضرورة العسكرية.
خطوة مهمة
ويعد ذلك تحولًا كبيرًا في المجتمع الأكاديمي الإسرائيلي الذي كان في الأساس أداة في يد المشروع الصهيوني منذ تأسيس الدولة ونكبة 48، وأدوات فاعلة في دعم سياسات إحلال الاستيطان.
وعلى الرغم من ذلك، يرى المركز أنه خلال السنوات الماضية، بدأت تظهر أصوات نقدية من داخل بعض المجتمع الأكاديمي الإسرائيلي، لا سيما من الجيل الجديد، لمواجهة تبرير الاحتلال والتمييز، مما يجعل "الراية السوداء" خطوة مهمة لمواجهة المتطرفين الإسرائيليين الذين يمارسون العنصرية ضد المجتمع الفلسطيني.