حلل الدكتور عوفر جروزبيرد، إخصائي علم النفس السريري والمستشار السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، شخصية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والذي وصفه بـ"النرجسي" وبأنه "يضع مصلحته في المقام الأول" و"مصاب بجنون العظمة".
في حديث لصحيفة "معاريف" العبرية، تناول جروزبيرد الشخصية المركزية في السياسة الإسرائيلية على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود؛ مشيرًا إلى أن "بيبي" شخصية نرجسية تضع كلمة "أنا" في المقام الأول، وهو ما يتضح جليًا في خطاباته، التي تشهد تكرارها بشدة.
يضيف: "بنيته الشخصية لا تسمح له بامتصاص أي ضرر، وعندما يُتَّهَم بقضايا فساد مختلفة، بدلًا من مواجهتها بهدوء على المستوى القانوني، يُصاب بجنون العظمة، ويحشد أتباعه، ويتحدث عن مؤامرة تُحاك ضده، لذلك، تحت عباءة القوة التي تبدو راسخة، تقف شخصية لا تقبل الفشل، وتُلقي بالمسؤولية على الآخرين".
ونقلت الصحيفة عن أستاذ علم النفس الإسرائيلي، قوله إن "بيبي لن يُصاب بالاكتئاب كما حدث مع بيجن في حرب لبنان الأولى عندما قُتل جنود، ولن يستقيل أو تُراوده أفكار انتحارية، كما حدث مع جولدا بعد حرب أكتوبر.. لن يُعاني من فترات اكتئاب أو يُهاجم نفسه كما حدث مع تشرشل في خضم الحرب، كما يحدث في الاكتئاب، بل سيحمي نفسه".
وتابع: "لذلك، لن يُشجع على إجراء انتخابات أو تشكيل لجنة تحقيق حكومية، ونادرًا ما يلتقي بعائلات المخطوفين، وسيُوزع الأموال على الحريديم للحفاظ على ائتلافه، والأهم من ذلك، لن يتحمل المسؤولية الشخصية عن كل ما حدث".
ماذا حدث لـ "بيبي"؟
من الخارج، يبدو نتنياهو رجلًا يتمتع بقدرة فكرية عالية وقوة إرادة كبيرة للتعامل مع الانتقادات والصعوبات، إلا أن هذا ليس سوى القشرة الخارجية لشخصيته التي نجح في الحفاظ عليها لسنوات؛ حتى تم رفع الدعاوى القانونية ضده، حسب رأي جروزبيرد.
وفي هذا الصدد، يضيف جروزبيرد: "عندما هُدد بالعزل والعار، وربما حتى السجن، انتهت قدرته على التأقلم التي حافظ عليها لسنوات. هُدمت دفاعاته، وظهر بيبي مختلفًا بتصريحات مناقضة لما دعا إليه على مر السنين، مثل الحفاظ على النظام القضائي، وضرورة حشد الحريديم، وكل ذلك من أجل البقاء على قيد الحياة".
وواصل: "لقد برزت نرجسيته، التي تحميه من مشاعر الفشل والاكتئاب، ولجأ إلى كل الوسائل والمعارف لحماية نفسه. حدث ذلك أيضًا مع زوجته، التي لم يرغب في الاستماع إليها في البداية، ثم رضخ لإملاءاتها في النهاية. على الصعيد السياسي، لا يزال يحاول النجاة، متهربًا من مسؤولية الفشل أو الادعاءات، ومع قليل من الحظ، تُمكّنه قدرته من التلاعب".
وذكر: "يبدو أن بيبي يعيش حياة مزدوجة، وحتى هو نفسه لا يعرف ما يخفيه".
ويشير تحليل جروزبيرد لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن "شخصيته غير الناضجة لا تدفعه فقط إلى 'التعرج' وقول أشياء مختلفة في أوقات مختلفة حسب الحاجة اللحظية، بل أيضًا إلى تجنب اتخاذ قرارات جسيمة، لأنه منشغل بمصلحته الخاصة أكثر من المصلحة العامة".
نفسه أولًا
بصفته رئيسًا للوزراء لمدة 14 عامًا، اختار نتنياهو، في كل منعطف سياسي اتخاذ قرار يحافظ على حياته الشخصية، ومن ثم عدم المخاطرة باتخاذ أي إجراء.
أوضح جروزبيرد: "هناك بالفعل مساران، ظاهري علني، وباطني خفي. بيبي يعرف النص الذي يهتم بالوطن جيدًا، ويعرف كيف يتحدث انطلاقًا منه، لكنه يتصرف من منطلق شخصي وأناني في شخصيته، وهذا ما يجعله مُضلِّلًا للغاية".
يضيف: "بهذه الطريقة، لن يقلق بيبي في لحظة ما من أن منزله لن يُقصف بصواريخ حزب الله دون أن يفكر في مصير الوطن. بيبي، الذي ألّف كتابين عن الحرب على الإرهاب، لم يستطع استيعاب أي شيء مما كتبه، وهذا هو الجانب المُضلِّل من شخصيته. يبدو أن بيبي نفسه لا يفهم ماهية مشكلته ولا يُدركها".
وبصفته كاتب سيرة مناحم بيجن، أجرى جروزبيرد مقارنة موجزة بين الرجلين لتوضيح حجم الفجوة، موضحًا: "نشأ بيجن في شقة من غرفتين، مع راتب شهري، وليس في فيلا في قيسارية. هناك إجماع حول بيني (ابن بيجن)، رجل متواضع وذكي وصادق. أما يائير، ابن بيبي، فهو أقل إجماعًا. أما زوجة بيجن، عليزة، فهي امرأة متواضعة للغاية، اعتادت السفر بالحافلة حتى عندما كان بيجن رئيسًا للوزراء، وأرسلت زوجها للقاء ريجان لأنه كان اجتماعًا مهمًا عندما كانت على فراش الموت. هذا من الصعب، بالطبع، مقارنته بسارة نتنياهو".
وأوضح أن "بيبي يتحدث اليوم عن 'الدولة العميقة' ويشعر أن البيروقراطية ضده ولا تسمح له بتحقيق رؤيته. وتتسم خطاباته بالانقسام والاستفزاز".
المتهور
في ختام تحليله، أكد إخصائي علم النفس السريري والمستشار السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، أن بيبي "سيواصل السير على خطى المتهربين"، مفسرًا ذلك بأنه "لن يتحمل مسؤولية قصف المفاعل الإيراني"، ولن يقف في وجه ترامب، وسيرفض اتفاقًا مع حماس وإطلاق سراح المحتجزين.
وأكد: "لن يتحمل المسؤولية، وبالتالي لن يُصاب بالاكتئاب. من وجهة نظره، قد يكون هذا ميزة، ولكنه من وجهة نظرنا عيب".
واختتم حديثه قائلًا: "لن ينتزع أحدٌ من بيبي مهاراته الخطابية، وقدرته على مخاطبة جمهور واسع من الناخبين اليمينيين، هذه ليست أمورًا تافهة، وليس لدى الوسط واليسار الإسرائيليين منافسون لبيبي في هذا الصدد. ومع ذلك، وبسبب طبيعته النرجسية، والجدلية، والتسويقية، وافتقاره إلى مأوى داخلي (شخصي) وخارجي (عائلي) يلجأ إليه في أوقات الأزمات، فإنه سيواصل إدارة إسرائيل بلا شجاعة وبلا حكمة".