حقق المرشح القومي كارول نافروتسكي فوزًا ضيقًا في الانتخابات الرئاسية البولندية، مُتغلبًا على منافسه الليبرالي رافال تشاسكوفسكي، عمدة وارسو، بنسبة 50.89% مقابل 49.11%، وفقًا لما أعلنته اللجنة الانتخابية.
الفوز الذي حظى بدعم حزب "القانون والعدالة" اليميني وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يمثل انتكاسة كبيرة لحكومة رئيس الوزراء دونالد توسك، ويهدد أجندة الإصلاحات الليبرالية في البلاد.
ليلة انتخابية مثيرة
شهدت ليلة الانتخابات تقلبات مفاجئة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي الأولى عند إغلاق مراكز الاقتراع تقدمًا طفيفًا لتشاسكوفسكي بنسبة 50.3% مقابل 49.7% لنافروتسكي بهامش خطأ يبلغ نقطتين مئويتين، حسب ما ذكرته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية.
النتائج النهائية جاءت مخالفة تمامًا لهذه التوقعات، إذ أظهر استطلاع "إبسوس" المتأخر فوز نافروتسكي بنسبة 51% مقابل 49% لتشاسكوفسكي، كما أوردت "فايننشال تايمز" البريطانية.
رغم إعلان تشاسكوفسكي النصر مبكرًا، واعدًا بأن يكون "رئيس جميع البولنديين"، أصر نافروتسكي على فوزه، قائلًا خلال مخاطبته لأنصاره: "سننتصر الليلة ونحن نعلم أننا سنفوز"، وسط هتافات تقول: "كارول نافروتسكي، رئيس بولندا".
سجلت الانتخابات إقبالًا جماهيريًا مرتفعًا وصل 72.8%، بحسب تقديرات "إبسوس"، ما يجعلها الأعلى في تاريخ الانتخابات الرئاسية البولندية.
الدعم السياسي والدولي
حظى نافروتسكي، وهو مؤرخ اختاره ياروسلاف كاتشينسكي مؤسس حزب "القانون والعدالة" كمرشح خارجي غير معروف مع معروف على الساحة، بدعم قوي من الحزب اليميني المحافظ ومن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
هذا الدعم الدولي تجسد في زيارة وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستي نوم، بولندا، الثلاثاء الماضي، إذ حثت الناخبين على "انتخاب القائد المناسب"، واصفة تشاسكوفسكي بأنه "كارثة مطلقة"، وفقًا لما ذكرته "فايننشال تايمز".
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن فوز نافروتسكي يمثل انتصارًا لتيار "ماجا" التابع لترامب على الصعيد الدولي، خاصة بعد الهزائم الانتخابية التي مُنيت بها الشخصيات اليمينية المتحالفة مع الرئيس الأمريكي في كندا وأستراليا ورومانيا.
اتهامات الشخصية
واجه نافروتسكي خلال حملته الانتخابية ما وصفه كاتشينسكي بـ"شلال من الأكاذيب"، إذ تعرض لسلسلة من الفضائح والاتهامات الشخصية شملت اتهامات بترتيب خدمات الدعارة للنزلاء في أثناء عمله كحارس أمن في فندق فاخر، ومشاركته في معارك كمشجع كرة قدم متطرف، إضافة إلى اتهامات بعلاقات مع عناصر إجرامية وحصوله على شقة من متقاعد في ظروف مشكوك فيها، حسب ما ذكرته "بوليتيكو".
ورغم نفي نافروتسكي لجميع هذه الاتهامات ووصفها بأنها مدفوعة سياسيًا، وشكواه من ظروف الحملة غير المواتية، بما في ذلك تخفيضات التمويل، نجح في الحفاظ على دعم قاعدته الانتخابية المحافظة التي تشكك في السجل الليبرالي لتشاسكوفسكي كعمدة لوارسو، خاصة دعمه للمثليين، وموقفه من الكنيسة الكاثوليكية الرومانية القوية.
الأجندة المحافظة
يسعى نافروتسكي لسحب بولندا بعيدًا عن التيار الأوروبي السائد نحو اتجاه شعبوي أكثر تشددًا، إذ وعد بجعل بولندا "طبيعية" من خلال محاربة النزعات الفيدرالية للاتحاد الأوروبي ومعارضة السياسات المناخية، ورفضه محاولات دعم المثليين أو تخفيف قوانين الإجهاض الصارمة في البلاد.
الأهم من ذلك، تعهد الرئيس المنتخب بمنع محاولة أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو، وهو ما وصفه توسك بأنه "عمل خيانة".
تداعيات سياسية
يضع فوز نافروتسكي حكومة توسك في مأزق سياسي حقيقي، إذ ستواجه صعوبات كبيرة في تمرير إصلاحاتها التشريعية.
وأوضحت المحللة السياسية جوانا ساويتسكا من مركز "بوليتيكا إنسايت" في وارسو، لـ"بوليتيكو"، أن "رئاسة نافروتسكي تعني صراعًا عالي المستوى بين الرئيس وتوسك"، مؤكدة أنه "سيكون من الصعب على الحكومة تنفيذ الإصلاحات الرئيسية"؛ لأن الرئيس يستطيع الاعتراض على معظمها.
وتوضح "فايننشال تايمز" أنه بالرغم من كون الرئاسة البولندية منصب شرفي إلى حد كبير، إذ تتولى الحكومة مسؤولية السياسة الخارجية، إلا أن الرئيس يملك صلاحية الاعتراض على التشريعات أو إرسالها للمراجعة القضائية، كما أن الائتلاف الذي يقوده توسك لا يملك الأصوات الكافية في البرلمان لتجاوز هذا الاعتراض، ما يجعل الرئيس نافروتسكي قادرًا على شل قدرة رئيس الوزراء على الحكم فعليًا.
الانقسام المجتمعي
تشير "بوليتيكو" إلى أن النتيجة الضيقة للانتخابات تعكس الانقسامات العميقة في المجتمع البولندي بين المدن الليبرالية والبلدات والقرى المحافظة، وبين مؤيدي الاتحاد الأوروبي وأنصار القومية البولندية القوية، وبين الليبراليين والمتمسكين بالقيم التقليدية والدور القوي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
هذه الانقسامات ليست جديدة، فقد هزم الرئيس السابق أندريه دودا المدعوم من حزب "القانون والعدالة" تشاسكوفسكي، عام 2020، بنسبة 51% مقابل 49%، في سيناريو مشابه للانتخابات الحالية.
واختتمت "فايننشال تايمز" بتحذير البروفيسور آدم جينديفيل بجامعة وارسو، من أنه "كلما ضاق الهامش في النتائج النهائية، زادت احتمالية سيناريو الطعن في النتيجة"، ما يثير تساؤلات حول استقرار النتائج واحتمالية حدوث جدل قانوني حولها.