شهدت القارة الأوروبية، أمس الأحد، سلسلة من الانتخابات الرئاسية والتشريعية الحاسمة التي عكست تنوع المشهد السياسي الأوروبي، بين صعود لقوى الوسط المعتدلة في بعض الدول ونمو متزايد للأحزاب اليمينية المتطرفة في دول أخرى، وأظهرت هذه النتائج تحولات جوهرية في خيارات الناخبين وسط تحديات سياسية واقتصادية متزايدة.
مفاجأة رومانيا
حقّق نيكوشور دان، عمدة بوخارست المعتدل والمؤيد للاتحاد الأوروبي، فوزًا حاسمًا في الانتخابات الرومانية، متغلبًا على منافسه اليميني المتطرف جورج سيميون، وبحسب ما ذكرته "بوليتيكو"، حصل "دان" على 53.8% من الأصوات مقابل 46.2% لمنافسه "سيميون"، بعد فرز 99.8% من مراكز الاقتراع، وبنسبة مشاركة بلغت 65%، وهي الأعلى منذ عام 1996.
ويمثل فوز "دان"، الذي كان رياضيًا موهوبًا قبل دخوله السياسة، انتصارًا للتيار المعتدل في مواجهة القومية المتشددة. وخاطب أنصاره المبتهجين قائلًا: "الانتخابات تتعلق بالمجتمعات، وفي انتخابات اليوم فاز مجتمع من الرومانيين الذين يريدون تغييرًا عميقًا في رومانيا. إنها لحظة أمل".
ظهرت مؤشرات وسط صعوبة من اليمين المتطرف بتقبّل الهزيمة، إذ أفادت "بوليتيكو" أن "سيميون" بدأ في التشكيك بشرعية التصويت أثناء العملية الانتخابية ذاتها، وأعلن فوزه مبكرًا رغم نتائج استطلاعات الرأي الواضحة التي كانت تشير لتقدم منافسه.
وكتب "سيميون" في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: "أنا الرئيس الجديد لرومانيا"، متجاهلًا النتائج الأولية، قبل أن يعود بعد ساعات وينشر مقطع فيديو على فيسبوك هنأ فيه دان واعترف بالهزيمة قائلًا: "لقد فاز في الانتخابات. كانت إرادة الشعب الروماني".
يمين الوسط في البرتغال
في البرتغال، فاز تحالف يمين الوسط الديمقراطي بقيادة رئيس الوزراء لويس مونتينيجرو بأكبر عدد من أصوات الناخبين في الانتخابات المبكرة، لكن دون تحقيق الأغلبية المطلقة في البرلمان.
وحصل التحالف على 32% من أصوات الناخبين، ما يمنحه 89 مقعدًا في البرلمان، أقل بكثير من الـ116 مقعدًا المطلوبة لتشكيل حكومة بأغلبية، مع تراجع الحزب الاشتراكي بقيادة بيدرو نونو سانتوس، الذي خسر 20 مقعدًا وانتهى به الأمر بـ58 نائبًا فقط.
وفي المقابل، حقّق حزب "شيجا" اليميني المتطرف قفزة كبيرة ليحصل على عدد المقاعد نفسها التي حصل عليها الحزب الاشتراكي.
وأبرزت "بوليتيكو" أن هذا الأداء يؤكد النمو المتسارع للحزب القومي المتطرف في البرتغال، الذي انتقل من امتلاك نائب واحد فقط في البرلمان عام 2019 إلى أن أصبح قوة رئيسية اليوم، حيث علّق أحد نواب الحزب قائلًا: "لقد اهتز النظام، ونحن نمثل بديلًا للحكم".
سباق متقارب في بولندا
في بولندا، أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية فوز عمدة وارسو الليبرالي رافال تشاسكوفسكي بفارق ضئيل في الجولة الأولى على منافسه اليميني كارول نافروكي، ما يمهّد لجولة ثانية حاسمة في الأول من يونيو المقبل.
ونقلت "بوليتيكو" أن تشاسكوفسكي، المنتمي لحزب المنبر المدني بقيادة رئيس الوزراء دونالد توسك، حصل على 31.36% من الأصوات، بينما حصل نافروكي، المدعوم من حزب القانون والعدالة الشعبوي اليميني، على 29.54% بعد فرز جميع الأصوات.
كان هامش فوز تشاسكوفسكي أصغر مما توقعته استطلاعات ما قبل الانتخابات، ما يعطي "نافروكي" زخمًا قويًا في الاستعداد للجولة الثانية. وعلّق تشاسكوفسكي على النتائج قائلًا: "قلت لكم قبل ثمانية أشهر إنها ستكون متقاربة جدًا - وهي بالفعل متقاربة جدًا".
معركة استقطاب للناخبين
تتجه أنظار المراقبين بحسب ما تشير "بوليتيكو" الآن نحو الجولة الثانية في بولندا ورومانيا، حيث يواجه المرشحون تحدي استقطاب ناخبي الأحزاب الأخرى، وأوضح بارتوش ريدلينسكي، عالم السياسة في جامعة وارسو، للمجلة أن "المعركة ستكون حول من يمكنه جذب الناخبين الذين اختاروا المرشحين الآخرين في الجولة الأولى".
وفي هذا السياق، سيسعى تشاسكوفسكي لاستمالة مؤيدي المرشحين الوسطيين واليساريين، بينما يأمل نافروكي في جذب أنصار سلافومير مينتزن اليميني المتطرف، الذي جاء في المرتبة الثالثة بنسبة 14.8%.
ووجّه "نافروكي" رسالة مباشرة لـ"مينتزن" في خطابه بعد إغلاق صناديق الاقتراع قائلًا: "أريد أن أتوجه إلى أحد المرشحين، سلافومير مينتزن. هذا هو الوقت لإنقاذ بولندا. نحن كلانا نريد بولندا ذات سيادة، قوية، غنية وآمنة".