"والله العظيم الجدع ده بيقول حاجات غريبة"، واحد من أشهر إفيهات الممثل المصري الراحل يونس شلبي، التي قالها في مسرحية "العيال كبرت"، غير مضحك في حد ذاته، لكن طريقة إلقائه، جعلته لحظة كوميدية محفورة في ذاكرة جيل كامل، وتؤكد في الوقت نفسه أن النجم الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده اعتمد بساطة الأداء كحل سحري للوصول إلى قلوب الجمهور.
الفنان الكوميدي يونس شلبي، صاحب الحضور الذي لا يبهت، حتى بعد رحيله قبل 18 عامًا، كان تلقائيًا فطريًا، امتلك قدرة نادرة على إضحاك الكبار والصغار، وأصبح صوته وصورته جزءًا من ذاكرة ملايين المصريين والعرب.
طفل المنصورة يتحدى الأقدار
ولد يونس شلبي عام 1941 في ميدان الطميهي بمدينة المنصورة، وفقد والده وهو لم يكمل الخامسة من عمره، تولت والدته تربيته، وغرست فيه مبادئ الرحمة والحب، فكان يُكثِر من زيارة دور الأيتام حتى وهو مريض، متأثرًا بطفولته اليتيمة.
واجه معارضة من والده قبل وفاته، حين عبر عن رغبته في التمثيل، إذ كانت الأسرة تفضل له عملًا حكوميًا يضمن استقرارًا ماديًا، لكنه أصر على الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية بعد الثانوية العامة، وهناك لفت أنظار عميد المعهد نبيل الألفي، الذي تنبأ له بمستقبل كبير.
عرفه الجمهور للمرة الأولى بقوة في دور "منصور" بمسرحية "مدرسة المشاغبين" عام 1971، إلى جوار عادل إمام، سعيد صالح، وأحمد زكي، وجسد شخصية الطالب الفاشل والمتلعثم في الكلام، لدرجة أن خروجه العفوي عن النص كان يربك زملاءه على المسرح، ويفجر الضحكات، ولم يكن تمثيله مجرد اجتهاد، بل كان ولادة تلقائية لنوع جديد من الكوميديا المعتمدة على الفطرة والحضور الساحر.
تكرر تألقه في مسرحية العيال كبرت بشخصية "عاطف السكري"، تلك الشخصية المراهقة الساذجة، التي أبدع في تجسيدها حتى باتت مرادفًا لخفة الظل.
بوجي وطمطم
في عام 1983، دخل يونس شلبي قلوب الأطفال من أوسع الأبواب بشخصية بوجي في مسلسل “بوجي وطمطم”، والذي استمر عرضه الرمضاني 18 عامًا،ليتمكن من بناء علاقة وجدانية نادرة مع الصغار، حتى بات صديقًا حقيقيًا لهم، ينتظرونه كل مساء في رمضان، ليتعلموا ويضحكوا ويحلموا.
وطوال مسيرته، شارك يونس شلبي في نحو 77 فيلمًا، القليل منها من بطولته، وكانت الغلبة للأدوار الثانوية، لكنه أبدع فيها كلها، ربما لم يكن نجم الشباك الأول، لكن وجوده كان يضيف لمسة لا يمكن تعويضها.
أبدع في أفلام منها "الكرنك"، و"شفيقة ومتولي"، و"إحنا بتوع الأتوبيس"، و"4-2-4"، و"العسكري شبراوي"، و"الشاويش حسن"، و"عليش دخل الجيش"، كما قدم أكثر من 30 مسلسلًا تلفزيونيًا، من أبرزها "عيون"، و"الستات ما يعملوش كده"، و"عودة الروح"، و"أنا اللي أستاهل".
صداقة العمر ولفتة الزعيم
كان يونس شلبي يحتفظ بصداقة خاصة مع رفاق مشواره: عادل إمام، وسعيد صالح، وأحمد زكي، وبعد سنوات من البعد، فاجأه عادل إمام بدعوته للمشاركة في فيلم "أمير الظلام" في عام 2002، ليظهر الثلاثي مجددًا في مشهد واحد، كانت لحظة مؤثرة بالنسبة ليونس، الذي كان قد بدأ يعاني من المرض، لكنها أعادت له جزءًا من بهجته.
صدمة الأم وبداية النهاية
تزوج يونس شلبي في سن الـ45، وكان مرتبطًا للغاية بوالدته، حتى إنه اشترى لها شقة مقابلة لمسكنه لتكون قريبة منه، وكانت وفاتها في التسعينيات أكبر صدمة في حياته. قال وقتها جملة مؤثرة: "شرايين جسمي كلها ماتت بعد موت أمي"، وبعدها أصيب بسلسلة من الجلطات في القلب والمخ والساق.
ورغم معاناته الصحية الطويلة، لم يتوقف عن العطاء، وظل يشارك في أعمال فنية متى استطاع، حتى إنه في يوم وفاة والدته، أصر على تقديم العرض المسرحي في الإسكندرية احترامًا للجمهور.
رحلة المرض
بدأت رحلته مع المرض عام 1994، وعانى من مضاعفات خطيرة للسكري، وأُجريت له عدة جراحات في القلب والساق، منها جراحة قلب مفتوح في السعودية، ورغم محنة المرض، ومرارة فقد والدته، احتفظ يونس بروحه الطيبة، حتى توفي في 12 نوفمبر 2007.