كشفت بيانات رسمية جديدة نشرتها صحيفة "ديلي تليجراف" البريطانية عن واقع صادم في النظام القضائي البريطاني، إذ يتم الإفراج عن نصف الأشخاص المعتقلين بتهم حيازة المخدرات الصلبة دون توجيه اتهامات رسمية لهم، ما يثير تساؤلات جدية حول فعالية السياسات الحالية لمكافحة المخدرات وتكلفتها الباهظة على الخزانة العامة، وسط مطالبات متزايدة بإصلاح جذري للنهج المتبع في التعامل مع هذه القضية الحساسة.
المخدرات الصلبة
تشمل المخدرات الصلبة أو مخدرات الفئة الأولى، وفقًا للتصنيف البريطاني مواد شديدة الخطورة مثل الكوكايين والهيروين والميثامفيتامين وأقراص الإكستاسي، وهي أخطر أنواع المخدرات المصنفة قانونيًا.
وحسب ما ذكرته "ديلي تليجراف"، فإن الإحصائيات الرسمية تُظهر أن 50% من الأشخاص الذين يتم اعتقالهم بتهمة حيازة هذه المواد الخطيرة يُفرج عنهم دون اتخاذ أي إجراء قانوني ضدهم؛ ما يعني أن آلاف الحالات سنويًا تنتهي دون محاسبة فعلية.
تكشف البيانات التي حصلت عليها الصحيفة البريطانية عن تفاوت مذهل بين المقاطعات المختلفة في معدلات الإفراج دون اتهام، ففي مقاطعة دورهام، وصلت نسبة الإفراج دون اتهام إلى مستوى قياسي بلغ 72.1%، مما يعني أن ثلاثة أرباع المعتقلين تقريبًا يعودون إلى منازلهم دون مواجهة أي عواقب قانونية.
كما سجلت مناطق أخرى في إنجلترا وويلز معدلات مرتفعة مماثلة، بينما تشير التقارير إلى أن العديد من هذه القضايا يتم حلها من خلال ما يُعرف بـ"القرارات المجتمعية" أو التحذيرات البسيطة بدلًا من المحاكمة الفعلية.
انتقادات سياسية
تواجه الحكومة البريطانية انتقادات حادة من البرلمانيين وخبراء العدالة الجنائية حول هذا الوضع، إذ صرّح عدد من النواب البريطانيين للصحيفة بأن الإفراج المتكرر عن متعاطي المخدرات دون محاسبة يقوّض بشكل خطير الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة المدمرة.
ويؤكد المنتقدون أن هذا النهج المتساهل يرسل رسالة خاطئة ومضللة للمجتمع مفادها أن حيازة المخدرات الصلبة ليست جريمة خطيرة تستحق العقاب، مما قد يشجع على انتشارها أكثر.
من جانبهم، يشير خبراء في مجال إنفاذ القانون إلى أن هذه الممارسة تؤدي إلى تبديد الموارد العامة الضخمة المستثمرة في عمليات المراقبة والاعتقال والتحقيق، دون تحقيق النتائج المرجوة في الردع أو العلاج، كما تؤثر سلبًا على معنويات رجال الشرطة الذين يبذلون جهودًا كبيرة في مكافحة تجارة المخدرات.
استراتيجية للمكافحة
في ضوء هذه النتائج المقلقة، تتزايد الدعوات من مختلف الأطراف لإجراء مراجعة شاملة وجذرية لاستراتيجية بريطانيا في مكافحة المخدرات، إذ إنه وفقًا لـ"ديلي تليجراف"، ينقسم الخبراء إلى معسكرين رئيسيين: الأول يطالب بتحويل التركيز من نهج الاعتقال العشوائي إلى الاستثمار في برامج العلاج وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للمتعاطين، بينما يدعو المعسكر الثاني إلى تطبيق أكثر صرامة وحزمًا للقوانين الحالية مع ضمان المتابعة القضائية الفعالة لجميع القضايا.
تداعيات اجتماعية واقتصادية
لا تقتصر آثار هذه الظاهرة على النطاق القانوني والأمني فحسب، بل تمتد لتشمل تداعيات اجتماعية واقتصادية واسعة النطاق، فمن الناحية الاقتصادية، يؤدي الإفراج المتكرر دون محاكمة إلى هدر مليارات الجنيهات الإسترلينية من الأموال العامة المخصصة لمكافحة المخدرات، دون تحقيق عائد ملموس على هذا الاستثمار الضخم.
ومن الناحية الاجتماعية، تشير الدراسات التي استشهدت بها "ديلي تليجراف" إلى أن هذا النهج المتساهل قد يساهم في تفاقم مشكلة انتشار المخدرات الصلبة في المجتمع البريطاني، خاصة بين الشباب الذين قد يفسرون عدم المحاسبة كإشارة ضمنية على تراخي الدولة في التعامل مع هذه الجرائم، كما يضع هذا الوضع ضغوطًا إضافية على الخدمات الصحية والاجتماعية التي تتعامل مع عواقب إدمان المخدرات على المدى الطويل.