الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

التعريفات الجمركية في مهب القانون.. هل تفقد أمريكا ورقتها الرابحة في المفاوضات؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تواجه المفاوضات التجارية العالمية تحديًا جديدًا ومعقدًا بعد صدور قرارات قضائية متناقضة حول شرعية التعريفات الجمركية الواسعة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، يهدد هذا الالتباس القانوني بتقويض أقوى أدوات المساومة لدى الإدارة الأمريكية في أكثر من 12 مفاوضة تجارية مع دول العالم.

عاصفة قانونية

بدأت الأزمة عندما أعلن ترامب في الثاني من أبريل ما أسماه "يوم التحرير"، فارضًا تعريفات جمركية بنسبة 10% على تقريبًا جميع السلع المستوردة من نحو 60 دولة، مع معدلات أعلى لدول مختارة بعينها، إلا أن محكمة التجارة الدولية الفيدرالية قضت الأربعاء الماضي بأن الرئيس تجاوز سلطته، وأن القانون الذي استند إليه لا يسمح له "بفرض تعريفات غير محدودة على السلع من تقريبًا كل دولة في العالم"، غير أن محكمة الاستئناف للدائرة الفيدرالية علقت هذا القرار مؤقتاً، مما خلق حالة من عدم اليقين القانوني.

وفقاً لمارك لينسكوت، المفاوض التجاري الأمريكي السابق، فإن هناك نقاشات داخلية في كل عاصمة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تمتلك نفوذًا أقل الآن، وما إذا كان من المنطقي إبطاء وتيرة المفاوضات.

الشركاء الآسيويون يعيدون حساباتهم

كانت الهند من أكثر الدول تأثرًا بهذه التطورات، إذ إن المسؤولين التجاريين الهنود كانوا يسعون بوتيرة محمومة لإنهاء اتفاقية طال انتظارها مع واشنطن.

وهيمنت التعريفات الجديدة على الصفحات التجارية في الهند، وضاعفت الضغط على نيودلهي لإبرام صفقة، إلا أن أجاي سريفاستافا، المسؤول السابق في وزارة التجارة الهندية، حذر قائلًا: "هذه التعريفات قد تكون موجودة أو لا، لكن الاتفاقيات دائمة، كيف يمكننا أن نقدم له تنازلات مقابل شيء قد لا يدوم حتى؟".

أضافت التوترات السياسية بُعدًا آخر للعلاقات الهندية الأمريكية، خاصة بعد تباهي ترامب بأن صفقة تجارية محتملة ساعدت في تهدئة التوتر بين الهند وباكستان، ما أثار استياء المسؤولين في نيودلهي الذين عارضوا طويلًا الوساطة الخارجية في هذا النزاع.

وفي اليابان، تبقى المطالب الأمريكية بشراء معدات دفاعية نقطة خلاف في المحادثات، إذ ألمح ريوسي أكازاوا، كبير المفاوضين اليابانيين، إلى إمكانية شراء طوكيو المزيد من المنتجات الزراعية الأمريكية ومعدات الدفاع لتقليل فائض اليابان التجاري، لكن وزير الدفاع الياباني جين ناكاتاني أصر على أن التجارة والأمن مسائل منفصلة.

أما في كوريا الجنوبية، ربط المسؤولون الانخفاضات الحادة في الإنتاج الصناعي والاستهلاك بالتعريفات الأمريكية الجديدة.

وأشار لي جاي-ميونج، المرشح الرئيسي لليسار والمتوقع فوزه في الانتخابات الرئاسية، إلى ضرورة تمديد الإطار الزمني للتفاوض على اتفاقية تجارية جديدة.

الاستجابات الغربية المتباينة

رحبت كندا، التي ترسل ما يقرب من 80% من صادراتها إلى الولايات المتحدة، بالقرار القضائي الأولي باعتباره تأكيدًا لموقفها القانوني، وصرح رئيس الوزراء الكندي مارك كارني بأن القرار يتماشى مع الموقف الكندي الثابت القائل إن التعريفات الأمريكية على السلع الكندية "غير قانونية وغير مبررة".

المحكمة ألغت تحديدًا التعريفات المفروضة على السلع الكندية بسبب ما وصفته إدارة ترامب بـ"غزو" الفنتانيل وتدفقات المهاجرين غير الشرعيين من الشمال، وهي ادعاءات لا تدعمها البيانات الأمريكية، إلا أن التعريفات على الصلب والألومنيوم والسيارات الكندية، المفروضة بموجب قانون مختلف، تبقى سارية.

أعلن مسؤولو الاتحاد الأوروبي تسريع المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة بعد ادعاءات ترامب بأن الكتلة تماطل في المفاوضات، كما هددت المفوضية الأوروبية باتخاذ إجراءات قانونية ضد "التعريفات المتبادلة" الأمريكية أمام منظمة التجارة العالمية، مؤكدة أن هذه التعريفات "تنتهك بشكل صارخ القواعد الأساسية لمنظمة التجارة العالمية".

الصين تستغل الفجوة القانونية

في بكين، رأى المحللون أن القرارات القضائية تمنح الصين ميزة خطابية قوية، إذ علق جيرارد ديبيبو، خبير الشؤون الصينية في مؤسسة راند، بأن الصين يمكنها القول: "انظروا، محكمة الولايات المتحدة نفسها تقول إن هذا غير قانوني، كما قلنا نحن، هذه الحرب التجارية بأكملها غير قانونية".

وصرحت هي يونجتشيان، المتحدثة باسم وزارة التجارة الصينية، بأن قرار الولايات المتحدة تطبيق هذه الرسوم "لم يفشل فقط في حل أي من مشكلاتها الخاصة، بل قوَّض أيضًا النظام الاقتصادي والتجاري الدولي".

وكتبت صحيفة "بكين ديلي" الرسمية أن القرارات "تكشف الجدل العميق" حول التعريفات في الولايات المتحدة، وأن نهج ترامب "يتعارض مع تيار التاريخ وقوانين الاقتصاد".

لكن هو جي، الأستاذ في معهد شنجهاي المتقدم للتمويل، أكد أن "الالتواء القانوني" لن يقطع استراتيجية التفاوض الصينية، خاصة أن واشنطن سبق أن طبقت تعريفات على السلع الصينية باستخدام آليات قانونية أخرى غير قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية.

تداعيات بعيدة المدى

يكشف هذا التطور المعقد عن هشاشة أداة المساومة الأكثر قوة لدى ترامب في المفاوضات الدولية، إذ إن التهديد بفرض تعريفات شاملة كتكتيك ضغط قد يكون تم إضعافه بنفس السرعة التي تم نشره بها، ما يترك الشركاء التجاريين الأمريكيين في حالة من عدم اليقين حول قدرة واشنطن على الوفاء بتهديداتها التجارية.

هذا الالتباس لا يؤثر فقط على الدول المستهدفة مباشرة، بل يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل النظام التجاري متعدد الأطراف وقدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على نفوذها التفاوضي في ظل هذه التحديات القانونية المستمرة، وكما أشار ديبيبو، قد يحد إضعاف النفوذ الأمريكي من قدرة الولايات المتحدة على إبرام صفقات وتطبيق استراتيجية "فرق تسد" ضد الصين.