مساء يوم 7 أبريل، اجتمع قائد سلاح الجو الإسرائيلي تومر بار ورئيس الأركان إيال زامير في مكتب نائب رئيس الأركان؛ لإجراء محادثة مشحونة مع عدد جنود الاحتياط، من أجل منعهم من نشر رسالة معارضة للحرب على قطاع غزة، استعان خلالها زامير بقادة الفيالق السابقين، إليعازر شكيدي، وعيدو نحشتان، لإقناعهم.
وقال الجنود في الرسالة، من بين أمور أخرى، إن الحرب تخدم في المقام الأول مصالح سياسية، لكن حجتهم الرئيسية كانت الخوف من أن عملياتهم في قطاع غزة تشكِّل خطرًا على حياة المحتجزين.
ونقل تقرير لصحيفة "هاآرتس" عن أحد الحاضرين في المحادثة، أن قائد الطيران كان واضحًا: "لن يتعرض المحتجزين للأذى.. نحن نعرف مكانهم"، كما قال بحزم.
ورغم الاهتمام، كان الضرر الناجم عند نشر الرسالة ضئيلًا مقارنة بما حدث بعد أسبوع تقريبًا من ذلك الاجتماع العاجل، عندما قصفت طائرة إسرائيلية مبنى في النفق الذي كان يقيم تحته في ذلك الوقت عيدان ألكسندر وماتان تسينجوكار مع حراستهما من مقاتلي حماس.
وعلى عكس ما قيل في الاجتماع، كان الجيش الإسرائيلي غافلًا عن وجودهم هناك، ففي الأشهر التي سبقت الهجمة الإسرائيلية، لم يكن جيش الاحتلال يعرف مكان المحتجزيْن، واللذين -بحسب شهادة ألكسندر-كانا معًا منذ السابع من أكتوبر حتى إطلاق سراحه.
وعندما تم احتجاز الرجلين تحت الأرض، كان الطيران الإسرائيلي يقصف مبنى فوق مسار النفق، وبعد يوم من القصف، أعلن الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" مقتل أحد عناصر حراسة ألكسندر، وأن مصيره غير معروف.
وبعد ساعتين، أُعلن رسميًا فقدان الاتصال. وبينما تم إنقاذ المحتجزين، لكن -بحسب شهادة ألكسندر- كان الأمر أشبه بمعجزة، إذ انهار جزء من بئر النفق في أعقاب القصف بينما كانوا يحاولون الهروب مع عناصر حماس.
ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن المحتجز الأمريكي الإسرائيلي: "حفرنا لأنفسنا طريقًا للخروج من هذا الوضع قبل أن ينهار علينا كل شيء".
ونقلت "هاآرتس" عن أحد أفراد طاقم الطائرة قوله: "لو كان الجيش يعلم أن هناك محتجزين تحت المبنى، لما قصفه".
مخاوف المحتجزين
منذ السابع من أكتوبر، يبذل الجيش الإسرائيلي جهودًا كبيرة لمعرفة مكان المحتجزين بشكل مستمر، وذلك جزئيًا للحد من إطلاق النار في منطقتهم.
لكن تحقيقًا لـ"هآرتس" كشف عن أن عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، خلال العدوان الذي استمر 601 يوم، عرضت حياة ما لا يقل عن 54 محتجزًا للخطر.
وأشارت الصحيفة إلى أنه قُتل ما لا يقل عن عشرين منهم نتيجة العمليات، بعضهم في تفجيرات.
ونقل التقرير عن مصدر عسكري إن مئات الهجمات تم إحباطها بسبب مخاوف من القرب من المحتجزين، ورغم ذلك وافق الجيش على تنفيذ ضربات على "مسافة آمنة" تبلغ مئات الأمتار، والتي يتم تحديدها حسب نوع الأسلحة المستخدمة وقوتها، بشرط الحصول على معلومات واضحة عن مكان وجود المحتجزين.
ويقول مصدر عسكري آخر إنه "من الواضح للجميع أن هذه حرب لا يمكن التنبؤ بنتائجها، وأن المعلومات الاستخباراتية حول مكان وجود المحتجزين صحيحة فقط في اللحظة التي وردت فيها، وإذا تحركوا في الفضاء أو تم نقلهم إلى مكان آخر، فإن الجيش لا يرى تحركاتهم".
وأوضح: "كقاعدة عامة، تتم الموافقة على كل هجوم في غزة من قِبل قيادة أسرى الحرب والمفقودين في الجيش الإسرائيلي.. ومع ذلك، حتى لو كانت القيادة تعرف في أي وقت من الأوقات مكان احتجاز جميع المحتجزين، فإن موقعهم يمكن أن يتغير في وقت قصير".
تحت القصف
في الآونة الأخيرة، سُئل مسؤول في جيش الاحتلال الإسرائيلي عن القلق الحقيقي من أن تؤدي الضربات إلى إلحاق الضرر بالمحتجزين، فأجاب بمرارة: "صدرت تعليمات للجيش بالتحرك، والجيش يتحرك بالفعل".
وسألت "هاآرتس" مصدرًا آخر في الجيش عمّا إذا كان يمكن القول إن كل الجهود تبذل لمنع تعرض المحتجزين للأذى، وأوضح أن الإجابة البسيطة هي "لا".
ليس ألكسندر عيدان الوحيد الذي نجا من القصف، إذ روت أوري ماجيديش هذا الأسبوع في برنامج "عوفدا" كيف تم قصف المبنى الذي كانت تقيم فيه، وكيف أُصيبت بجروح.
والأسبوع الماضي، في ساحة المختطفين في تل أبيب، وصفت نعمة ليفي، إحدى المحتجزات المفرج عنهن في صفقة تبادل سابقة، الخوف الدائم من قصف القوات الإسرائيلية، وحكت عن صوت الصفير في الهواء، وعن اهتزاز الأرض، وكيف كانت تصلي في كل مرة ألا تموت، وعن المرة التي كادت أن تقتل فيها.
وأضافت: "خلال إحدى مرات القصف، انهار جزء من المنزل الذي كنت فيه.. لحسن الحظ، لم ينهر الجدار الذي كنت أستند إليه.. هذا ما أنقذ حياتي".
كما قال ما لا يقل عن ثمانية من المحتجزين الذين أُفرِج في الصفقة الأخيرة، لمن حولهم أو في مقابلات إعلامية، إن الجيش الإسرائيلي قصف المنطقة التي كانوا يقيمون فيها.
وقال جادي موزيس لقناة "عوفدا": اهتزّ المنزل الذي كنت فيه، وتحطّم الزجاج، ووجدتُ نفسي مُغطّىً بالزجاج كالبطانية".
وحكى كيث سيجل أنه في أحد الأماكن التي احتُجز فيها في غزة، في شقة فوق الأرض، أصاب قصفٌ للجيش الإسرائيلي مبنىً قريبًا، وبحسب شهادته، التي تُكشف لأول مرة، كان جالسًا بجانب النافذة عندما قذفه الانفجار أرضًا، وفي اليوم نفسه، نُقل إلى مكان آخر، خوفًا من أن يُصاب بأذى.
ومن المعروف الآن أن التفجيرات، فضلاً عن العمليات العسكرية الأخرى، تسببت في مقتل المحتجزين، أحيانًا بشكل مباشر وأحيانًا أخرى بشكل غير مباشر.
في ديسمبر 2023، قتل جنود من لواء جولاني" في حي "الشجاعية" ألون شامريز، وسامر التلالكا، ويوتام حاييم، وهم ثلاثة محتجزين تمكنوا من الفرار بعد رؤيتهم يغادرون مبنى عراة الصدر ويحملون علمًا أبيض، ولم تكن القوة الإسرائيلية على علم بوجود أي محتجزين في المنطقة.