في ظل التحديات الاقتصادية الإقليمية والدولية المتسارعة، وفي إطار سعي الدولة المصرية لتوسيع قاعدة شركائها الاستراتيجيين وتعزيز جاذبيتها الاستثمارية، جاء انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي لمدة يومين بالقاهرة كمنصة حيوية لتعميق أواصر التعاون الاقتصادي بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
ويأتي تنظيم هذا المنتدى بعد ما شهد التعاون الاقتصادي بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية تطورًا ملحوظًا خلال عام 2024؛ مما يعكس تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدينK فهذا المنتدى، يمثل فرصة مهمة لاستعراض تطورات بيئة الاستثمار في مصر، وتحديد آفاق التعاون في مجالات الطاقة، والتصنيع، والتحول الرقمي، والتصدير، خاصة في ظل التوجه نحو الاقتصاد الأخضر وسلاسل الإمداد البديلة.
واستقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أمس الاثنين، وفد رجال الأعمال الأمريكيين المشاركين في المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي، برئاسة "سوزان كلارك"، رئيسة غرفة التجارة الأمريكية، و"جون كريسمان"، رئيس مجلس الأعمال الأمريكي المصري ورئيس شركة "أباتشي"، وبحضور الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، والمهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء المصري للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، وعدد من الوزراء.
وأعرب الرئيس المصري عن استعداد بلاده للتعاون مع مجتمع الأعمال والمستثمرين الأمريكيين في كل المجالات الاقتصادية محل الاهتمام المشترك، خاصة مع توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الداعمة لتعزيز التعاون المشترك بين الشركات المصرية والأمريكية، مؤكدًا تطلع مصر لأن تكون مركزًا صناعيًا كبيرًا للصناعات الأمريكية، مع كونها سوقًا كبيرًا وبوابة إلى المنطقة العربية والقارة الإفريقية، خاصة مع العلاقات الوطيدة التي تجمع مصر بدول القارة.
في هذا السياق، يُثار العديد من التساؤلات مثل: ما نتائج أعمال المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي الذي عُقد يوم الأحد الموافق 25 مايو 2025 بالقاهرة؟ وما دلالات تنظيم هذا المنتدى في هذا التوقيت؟ وكيف تنعكس فعاليات ذلك المنتدى على الاقتصاد المصري في الفترة المقبلة؟
في ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل للإجابة عن التساؤلات السابقة عبر استعراض النقاط الأساسية التالية:
أبرز نتائج المنتدى:
تضمنت فعاليات المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي، تنظيم عدة جلسات مخصصة لاستعراض الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات، بما في ذلك المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مع التركيز على القطاعات الأكثر جذبًا لاهتمام الشركات الأمريكية. وفي ضوء ذلك، يُمكن تحديد أبرز نتائج هذا المنتدى فيما يلي:
(*) تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية: فقد شهد المنتدى حضور ممثلين عن كبرى الشركات الأمريكية، حيث تم استعراض الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر، خاصة في قطاعات الطاقة المتجددة، التصنيع، والتكنولوجيا، وهو الأمر الذي يمكن أن يساهم في زيادة استثمارات الشركات الأمريكية العاملة في مصر، والتي تحقق نجاحات ملموسة وتساهم في عملية التنمية بمصر، وتعتبر نموذجًا يحتذى به في نجاح التعاون الثنائي بين البلدين.
(*) تطوير التبادل التجاري بين الجانبين المصري والأمريكي: فقد أشار وزير الاستثمار والتجارة الخارجية في مصر إلى أن صادرات مصر إلى الولايات المتحدة بلغت 5.5% من إجمالي صادراتها غير البترولية في 2024، بينما تمثل صادرات الولايات المتحدة إلى مصر 6.1% من وارداتها غير البترولية، كما تم الإعلان خلال المنتدى عن برنامج جديد لرد الأعباء التصديرية، يتضمن سداد المستحقات بحد أقصى 90 يومًا، مع صرف المساندة التصديرية بشكل كامل.
(*) تعظيم استفادة الجانب المصري من التحولات التجارية العالمية: تم أثناء المنتدى مناقشة تأثير التحولات التجارية العالمية على سلاسل الإمداد وتكاليف الإنتاج، مع التركيز على استفادة قطاعات مثل الملابس الجاهزة والمنسوجات، وتصنيع الألواح الشمسية.
(*) التعاون المصري الأمريكي في مجالي الطاقة المتجددة والمناخ: تم التأكيد خلال المنتدى على أهمية التعاون في مجال الطاقة المتجددة، مع تسليط الضوء على برنامج "نُوَفِّي" كآلية لدعم التحول الأخضر وحشد التمويل للعمل المناخي.
بشكل إجمالي، يُتوقع أن يسهم المنتدى في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة، وجذب المزيد من الاستثمارات التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة للاقتصاد المصري.
دلالات مهمة
يحمل تنظيم المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي في هذا التوقيت، في 25 مايو 2025، عدة دلالات مهمة على المستويين الاقتصادي والسياسي، محليًا ودوليًا، إذ إن مشاركة ممثلين رفيعي المستوى من الحكومة المصرية (برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي – رئيس مجلس الوزراء، الذي ترأس المنتدى وألقى الكلمة الافتتاحية له)، وممثلي القطاع الخاص المصري إلى جانب وفد أمريكي اقتصادي رفيع، تعكس أهمية الحدث في رسم ملامح المرحلة المقبلة من العلاقات الاقتصادية الثنائية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية. وفي ضوء ذلك، يمكن تلخيص أبرز تلك الدلالات في النقاط التالية:
(*) بعث رسالة طمأنة للمستثمرين الأمريكيين وأقرانهم من الدول الأخرى: يبعث المنتدى برسالة طمأنة للأسواق الدولية والمستثمرين الأمريكيين بأن مصر ملتزمة بجذب الاستثمار الأجنبي وتحسين مناخ الأعمال رغم التحديات الاقتصادية المحلية والعالمية. ويأتي تنظيم هذا المنتدى في وقت تسعى فيه الحكومة المصرية إلى دعم الاقتصاد المحلي، وزيادة تدفقات النقد الأجنبي، خصوصًا في ظل الضغوط على العملة وارتفاع مستويات الدين.
(*) تعزيز علاقات مصر الاستراتيجية مع الولايات المتحدة: اختيار مصر للولايات المتحدة شريكًا في هذا المنتدى، يؤكد عمق العلاقة الاقتصادية والسياسية بين البلدين، ففي ظل تحولات إقليمية ودولية، تسعى مصر إلى ترسيخ شراكاتها مع القوى الكبرى لضمان الدعم السياسي والاقتصادي.
(*) الحرص المصري على الاستثمار في التحولات في سلاسل التوريد العالمية: تسوق مصر لنفسها كمركز لوجستي واستثماري في إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا؛ لذلك يعكس هذا المنتدى رغبة مصر في الاستفادة من التغيرات الجيوسياسية التي أدت إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية، وجذب مصانع أمريكية تبحث عن بدائل للصين ودول جنوب شرق آسيا.
(*) التأكيد على الاستعداد المصري للتحول الأخضر: يبرهن هذا المنتدى على الاهتمام المصري بموضوعات الطاقة المتجددة والبرامج المناخية في المنتدى (مثل برنامج "نُوَفِّي") الذي يشير إلى التزام مصر بالتحول الأخضر، بما يتماشى مع التوجهات العالمية، فتعزيز هذا المسار يمكن أن يفتح أبواب تمويل جديدة لمصر عبر المؤسسات الدولية.
(*) الترويج المصري لنتائج الإصلاحات الاقتصادية: يُشير توقيت تنظيم المنتدى إلى رغبة الحكومة المصرية في إظهار نتائج برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي، وخصوصًا تلك المدعومة من صندوق النقد الدولي، فمصر بحاجة لعرض إنجازاتها أمام شركاء دوليين لجذب ثقتهم واستثماراتهم.
ما أهم الانعكاسات المستقبلية المحتملة لهذا المنتدى على الاقتصاد المصري؟
يحمل المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي في طياته انعكاسات مستقبلية مهمة، يُمكن أن تؤثر على عدة مستويات، خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والسياسية. وفيما يلي أبرز هذه الانعكاسات المتوقعة:
(*) على المستوى الاقتصادي والاستثماري: يُساهم هذا المنتدى في زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) لمصر، فهذا المنتدى قد يشجع شركات أمريكية جديدة على دخول السوق المصري، خاصة في قطاعات مثل: الطاقة المتجددة، والصناعات التكنولوجية، والأدوية والصناعات الدوائية، والزراعة الذكية والتصنيع الغذائي.
الانطباع الإيجابي الذي تُحدثه اللقاءات المباشرة بين المسؤولين المصريين وأقرانهم الأمريكيين، يمكن أن يُترجم إلى شراكات فعلية بعد استعراض التحسين الملموس في بيئة الأعمال المصرية، فضلًا عن تعزيز الصادرات المصرية إلى السوق الأمريكي عبر دعم الصادرات من خلال برامج المساندة التصديرية، قد يُؤدي إلى: زيادة تنويع المنتجات المصرية المصدرة، وتحسين تنافسية الصناعات الوطنية، خصوصًا في القطاعات كثيفة العمالة (المنسوجات، الملابس، الإلكترونيات البسيطة).
(*) على مستوى العلاقات المصرية – الأمريكية: يساعد هذا المنتدى في تعميق الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية عبر تطوير العلاقات من مجرد تعاون أمني وسياسي إلى تعاون اقتصادي أعمق وأكثر استدامة، ما يعزز الاستقرار السياسي في المنطقة. فقد أشارت السيدة سوزان كلارك إلى أن زيارة وفد رجال الأعمال الأمريكيين إلى مصر تؤكد قوة ومتانة علاقة التحالف الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
(*) على مستوى التنمية المستدامة والتحول الأخضر في مصر: قد يدعم المنتدى فرص مصر في الحصول على التمويل الأخضر عبر ضخ الشركات والمؤسسات المالية الأمريكية استثمارات في مشروعات الطاقة الشمسية، الهيدروجين الأخضر، وإعادة التدوير. وهو الأمر الذي من شأنه دعم أهداف مصر في التحول إلى اقتصاد منخفض الانبعاثات. ويرتبط بذلك مساهمة المنتدى في نقل التكنولوجيا والمعرفة لمصر عبر فتح قنوات للتدريب ونقل التكنولوجيا من الشركات الأمريكية إلى مصر، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتصنيع الذكي، وهو ما يُسرع من تحديث البنية الاقتصادية المصرية.
(*) تعزيز الصورة الإيجابية للاقتصاد المصري على الساحة الدولية: يقدم المنتدى صورة قوية لمصر كمركز اقتصادي مستقر نسبيًا في منطقة تعاني من اضطرابات، ويسهم ذلك في تحسين التصنيف الائتماني، ويعزز فرص التعاون مع المؤسسات الدولية.
بشكل إجمالي، تتجسد الانعكاسات المستقبلية للمنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي في عقد اتفاقيات استثمارية وتجارية بين الجانبين المصري والأمريكي خلال الفترة المقبلة، وتحسن في المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بالاستثمار والتصدير، ودفع ملموس لجهود التحول الأخضر في مصر، وفتح آفاق جديدة للعلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة.
وفي النهاية، يُمكن القول إن المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي يشكل خطوة متقدمة نحو تفعيل شراكة اقتصادية استراتيجية قائمة على المصالح المتبادلة لكل من مصر والولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تُفضي المناقشات التي شهدها المنتدى إلى تحولات إيجابية ملموسة على صعيد جذب الاستثمارات الأمريكية، وزيادة الصادرات المصرية، وتعزيز فرص التمويل الأخضر والتحول التكنولوجي، كما يمثل تنظيم هذا المنتدى رسالة قوية للمستثمرين الدوليين بشأن استقرار السوق المصري واستعداده لاستيعاب تدفقات استثمارية جديدة. ويبقى التحدي الحقيقي في ترجمة مخرجات ذلك المنتدى إلى برامج تنفيذية وسياسات عملية تُحدث أثرًا مباشرًا في الاقتصاد المصري وتدعم أهداف التنمية المستدامة على المدى المتوسط والبعيد.