في قلب القاهرة القديمة، وُلِدت فتاة قُدِر لها أن تترك بصمة لا تنسى في سجل الفن المصري، حملت اسم ميرفت عثمان صدقي، لكن جمهورها عرفها وخلدها باسم زينب صدقي التي توافق ذكرى رحيلها اليوم (23 مايو).
وُلدت زينب صدقي في 15 أبريل 1895، لأسرة محافظة من أصول تركية، عارضت دخولها إلى عالم التمثيل، إلا أن عشقها للفن كان أقوى من القيود وأشد من العادات.
بداية مسرحية
عام 1917، كان الموعد الأول مع خشبة المسرح، حينما التحقت بفرق مسرحية من الصف الأول مثل "رمسيس" ومسرح الريحاني وعبد الرحمن رشدي، وهناك كشفت زينب صدقي عن موهبة استثنائية وقدرة مذهلة على تجسيد الأدوار المتنوعة، وكسرت الصورة النمطية لبطلات المسرحيات، فقدمت نموذج البطلة الرشيقة لأول مرة على الخشبة، وكانت بداية لتغيير معايير الجمال والفن وقتها.
سرعان ما أسرت زينب صدقي قلوب الجمهور، لتنهال عليها الرسائل يوميًا حتى اضطرت لتعيين سكرتيرة خاصة تتولى الرد على مئات الرسائل اليومية، التي لم تخل من قصائد غزل وعروض زواج.
وما بين المسرح والسينما، استطاعت أن تصنع اسمها مع أول أفلامها "كفري عن خطيئتك" عام 1933، ثم واصلت نجاحها بسلسلة من الأفلام.
شاركت زينب صدقي في عدد من المسرحيات الشهيرة مثل "مجنون ليلى" و"كليوباترا"، بل ونجت من الموت بأعجوبة أثناء عرض مسرحية "أحدب نوتردام"، إذ كادت أن تُشنَق بسبب عطل في دمية مسرحية.
خصومة تؤكد النجاح
من أشهر المحطات في حياتها، خلافها الشهير مع الفنانة فاطمة رشدي، حينما اتهمتها الأخيرة بالسخرية من أدائها، وطلبت من يوسف وهبي طردها من الفرقة، إلا أن "وهبي" وقف في صف زينب، وأدى ذلك إلى انقسام المسرح إلى فرقتين متنافستين، أشعلتا منافسة حقيقية على استقطاب الجمهور، الذي كان يميل دومًا ناحية زينب.
صالون أدبي
لم تكن زينب صدقي فنانة فحسب، بل كانت صاحبة صالون أدبي شهير في الزمالك، تعقد فيه ندوات ثقافية وتتحمس لأعمال شكسبير، حتى لقبت بـ"شكسبيرة الزمالك"، ووسط حياتها التي امتلأت بالتحديات، أوصى صديقها سليمان بك الذي آمن بموهبتها -رئيس دار الأوبرا المصرية في القاهرة دار الأوبرا الملكية- برعايتها قبل وفاته، قائلًا لصديقه: "خد بالك من البنت التركية المجنونة دي".
تكريمات
طوال مشوارها، حصلت زينب على العديد من الجوائز، من بينها الجائزة الأولى في التمثيل الدرامي عام 1926، ولقب "ملكة جمال مصر" عام 1930، بالإضافة إلى جائزة الجدارة للفنون وجائزة الرواد في احتفالية اليوبيل الذهبي للسينما المصرية.
دراما إنسانية
بعيدًا عن الأضواء، واجهت زينب مواقف قاسية، منها قرار مدير الفرقة المسرحية الحكومية في السبعينيات حرمانها من معاشها، ما دفع الكاتب مصطفى أمين للكتابة عن معاناتها.
وعلى الصعيد الشخصي، تزوجت زينب مرة واحدة من عباس حلمي، ولم يستمر الزواج أكثر من 6 أشهر، لتنذُر حياتها للفن فقط، ثم تبنت فتاة، أصبحت فيما بعد الفنانة ميمي صدقي، وفي نهاية مشوارها، اختارت الابتعاد واعتزلت الفن عام 1985، قبل أن يعثر عليها في دار مسنين بالمهندسين، إلى أن وافتها المنية في 23 مايو 1993 عن عمر ناهز 98 عامًا.