تواجه طائرة الرئاسة الأمريكية المعروفة باسم "إير فورس وان" مرحلة مفصلية في تاريخها، فلم تكن مجرد وسيلة نقل لرئيس أقوى دولة في العالم؛ إنها منصّة سيادية محلّقة، شهدت لحظات فارقة في التاريخ الأمريكي، ونقلت قادةً بين الحروب والتحالفات والوداع الأخير، وفي وقت تتزايد فيه تحديات مرتبطة بصيانة الأسطول الحالي تصاعد الحديث عن إمكانية استبدالها بطائرة أكثر حداثة وفخامة، بعد عرض سخي من دولة قطر يشمل طائرة من طراز بوينج 747-8، تبلغ قيمتها 400 مليون دولار.
مقصورة محاطة بالأسرار
على الرغم من الرحلات المتكررة، يبقى الجزء الأكبر من "إير فورس وان" مجهولًا حتى للصحفيين الذين يرافقون الرئيس الأمريكي، فالصحافة لا تتعدى حدود الجزء الخلفي من الطائرة، تصعد إليه عبر درج خلفي، ثم تدور بزاوية حادة لتجد نفسها في مقصورة مخصصة، بعيدة كل البُعد عن الجناح الرئاسي في المقدمة، المحمي برجال الخدمة السرية، وفق "بي بي سي".
وقد برز هذا التمايز بوضوح خلال جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط، حينما خُصّ مقدم قناة "فوكس نيوز" شون هانيتي بمقابلة داخل الطائرة، بينما بقي بقية الإعلاميين في مقصورتهم المحدودة.
رغم البُعد الجغرافي واللوجستي عن مركز السلطة، لا يُمكن وصف تجربة الصحفيين في الطائرة بأنها متواضعة، فالمقاعد مريحة على غرار مقاعد الدرجة الأولى، وتتوفر وجبات خفيفة مميزة، أشهرها شوكولاتة M&Ms المغلّفة بعلامة "إير فورس وان" وتوقيع الرئيس، إلى جانب شاشات تلفاز تضبط غالبًا على القناة المفضلة للرئيس "فوكس نيوز" لترامب، وكانت "سي إن إن" وقت الرئيس السابق بايدن.
وفي الرحلات الطويلة، تُحضّر وجبات كاملة في مطبخ الطائرة، بينما يتم الاكتفاء بوجبات جاهزة في الرحلات القصيرة. أما قائمة طعام الرئيس، فتُعدّ على نحو منفصل وأكثر فخامة.
طائرة تواجه الشيخوخة
الطراز الحالي للطائرة، بوينج 747-200B، دخل الخدمة منذ عام 1990، ضمن أسطول القوات الجوية الأمريكية، ومع التقدّم التكنولوجي الهائل، باتت صيانتها أكثر تكلفة وتعقيدًا، رغم تحديثها الدوري.
وخلال تصريحات إعلامية في أبو ظبي، قال ترامب متحسرًا: "سأغادر الآن على متن طائرة بوينج عمرها 42 عامًا"، في إشارة واضحة إلى استيائه من الطائرة التي باتت تُعدّ "عتيقة الطراز" بنظره.
في سعيه للحصول على بديل عاجل، أبدى ترامب اهتمامًا بعرضٍ من قطر يشمل طائرة من طراز 747-8 بقيمة 400 مليون دولار، بحسب تقارير صحفية تداولتها وسائل الإعلام، بينها قناة "بي بي سي"، فالطائرة، التي زارها ترامب سرًا في فبراير الماضي بعد فترة وجيزة من بدء ولايته الثانية، وُصفت بأنها "قصر في السماء" وقد تكون "أكبر هدية أجنبية تُمنح لرئيس أمريكي على الإطلاق".
غير أن هذه الهدية أثارت جدلًا واسعًا، من نواحٍ أخلاقية وقانونية، إذ يخشى المراقبون من تضارب مصالح محتمل، ويطرح الخبراء أسئلة حول مدى توافق الطائرة مع متطلبات الأمن القومي الأمريكي.
تحديات فنية وأمنية
وبحسب "بي بي سي"، فإن تحويل طائرة مدنية فخمة إلى مركز قيادة جوي للرئيس الأمريكي لا يُعدّ أمرًا بسيطًا، فبحسب المحلل ريتشارد أبو العافية من شركة AeroDynamic Advisory، فإن إعادة تجهيز الطائرة سيستغرق سنوات عديدة وقد لا تكتمل قبل عام 2030، إذ يجب تعزيزها بأنظمة اتصال وأمن متقدمة، وتحمل انفجارات نووية محتملة، فضلًا عن تجهيزها لإعادة التزود بالوقود جوًا.
كما يشير "أبو العافية" إلى أن العملية تستوجب تفكيك الطائرة بالكامل، "يجب أن يُفترض أن الطائرة كانت دون رقابة في منطقة خطرة لمدة 13 عامًا"، ما يعني أن كل جزء منها يجب فحصه وإعادة تركيبه.
وبحسب مارك كانسيان، المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، قد تصل تكاليف إعادة التجهيز إلى مليار دولار، ومع ذلك، "يملك ترامب حرية تقليص أو حتى إلغاء بعض المتطلبات الأمنية، لأنه ببساطة هو الرئيس"، وفق تعبيره.
طائرة في قلب المعارك
طائرة الرئاسة لم تكن فقط وسيلة نقل، بل منصة سياسية، فقد استخدمها ترامب بكثافة في حملاته الانتخابية، حيث حوّلها إلى خلفية درامية للخطابات الجماهيرية، تحلّق فوق الحشود قبل أن تهبط ليعتلي المنصة.
وبعد هجمات 11 سبتمبر، ظلت الطائرة تحلق بالرئيس جورج بوش الابن في السماء لساعات حتى تأكد الطاقم الأمني من سلامة الأوضاع، ما عزّز مكانة الطائرة كرمز أمني من الطراز الأول.
كما أقلّت الطائرة زعماء بارزين لحضور جنازات، مثل رحلة كلينتون وكارتر وبوش الأب إلى إسرائيل في عام 1995 لتشييع إسحاق رابين، وأخيرًا، استخدمت في رحلة بايدن إلى إسرائيل عقب هجوم في 7 أكتوبر.
وحين تُحال طائرتا 747 الحاليتان إلى التقاعد، يُطوى فصل طويل من التاريخ الأمريكي الجوي، ومع أن "إير فورس وان" ليست طائرة رفاهية، كما يقول أبو العافية، بل "مركز قيادة طائر"، فإن الضغط السياسي والشخصي قد يدفع نحو مسار مختلف، حيث تلتقي الطموحات الرئاسية بعروض الأصدقاء الأثرياء.