كشفت صحيفة واشنطن بوست عن أن طائرة البوينج 747-8 الفاخرة التي عرضتها قطر كهدية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تثير مخاوف أمنية كبيرة لدى المسؤولين العسكريين والأمنيين الأمريكيين، إذ إنه بحسب المصادر التي تحدثت للصحيفة، فإن ترامب سيضطر على الأرجح إلى التنازل عن المواصفات الأمنية المعمول بها حاليًا؛ ليتمكن من استخدام الطائرة، التي تُقدَّر قيمتها بنحو 400 مليون دولار.
"لفتة كريمة" ورفضها "غباءً"
أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالعرض القطري لتقديم طائرة فاخرة مجانًا لإدارته، معتبرًا أنه سيكون "شخصًا غبيًا" إذا رفض هدية بقيمة 400 مليون دولار.
وقال ترامب، إنه ينوي استخدام الطائرة "لبضع سنوات" بينما تنتظر إدارته الانتهاء من تجهيز طائرتي بوينج جديدتين وفقًا للمعايير العسكرية الصارمة اللازمة لطائرة "إير فورس ون".
وشدد ترامب على أن الطائرة القطرية أحدث بكثير من الطائرات المتاحة حاليًا لاستخدام الرئيس، والتي تعود إلى عهد الرئيس جورج بوش الأب في تسعينيات القرن الماضي. وأضاف: "إذا نظرت إلى بعض الدول العربية والطائرات التي يوقفونها بجانب طائرة الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تبدو وكأنها من كوكب مختلف".
تجهيزات فاخرة للأمراء وليست للرؤساء
تشير الصحيفة الأمريكية إلى أن الطائرة القطرية، التي تم شراؤها أصلًا للعائلة الملكية القطرية، تتميز بتصميم داخلي مكون من طابقين يضم حمامين كاملين وتسعة مراحيض ومجموعة من الصالونات، وغرفة نوم رئيسية وأخرى للضيوف، ومكتبًا خاصًا، ومقاعد جلدية فاخرة بألوان الكريم والبيج في كلا الطابقين، وفقًا لصور نشرتها شركة الطيران السويسرية "أماك إيروسبيس".
لكن جاريت جراف، المؤرخ الذي كتب عن الأمن الرئاسي، قال لواشنطن بوست: "دونالد ترامب يحصل على طائرة مجهزة لأمير".
وأضاف جراف أن الرئيس غالبًا سيتردد في تفكيك بعض وسائل الراحة الفاخرة الموجودة على متن الطائرة واستبدالها بمعدات حكومية قياسية.
متطلبات أمنية معقدة
أكد مسؤولون عسكريون وأمنيون أمريكيون سابقون وحاليون أن تحويل هذه الطائرة التي يبلغ عمرها 13 عامًا لتلبية متطلبات "إير فورس ون" الحالية سيستغرق سنوات من العمل ومليارات الدولارات، وأن مثل هذه المهمة ستكون مستحيلة الإنجاز قبل انتهاء فترة رئاسة ترامب.
ووصف مسؤول أمريكي سابق على دراية بعمليات "إير فورس ون" أنها "مركز قيادة محصن ضد الهجمات النووية"، مضيفًا أنها "يجب أن تمتلك قدرات أمنية على مستويات متعددة".
وأوضح أن القوات الجوية ستضطر إلى "تمزيق" الطائرة القطرية، وإعادة بنائها لترقيتها إلى المستوى المطلوب.
وأضاف ماك بليهسيك، العميل المتقاعد في الخدمة السرية الأمريكية الذي عمل في فريق حماية الرئيس باراك أوباما: "سيتعين عليك تفكيك تلك الطائرة حتى الهيكل العظمي وإعادة تجميعها. أمان كل مكون فردي فيها مسألة كبيرة".
مخاوف من التجسس
أثار فرانك كيندال، قائد القوات الجوية الأمريكية السابق، مخاوف تتعلق بمكافحة التجسس، قائلًا: "سيتعين علينا التأكد من عدم زرع أجهزة تنصت في الطائرة". كما أشار إلى ضرورة حماية الاتصالات عالية المستوى من التشويش والهجمات الإلكترونية والانفجارات النووية.
وصرح بول إيكلوف، العميل السابق في الخدمة السرية الذي كان مشرفًا في إدارة ترامب الأولى، أن عمليات تفتيش دقيقة تُجرى بعد خروج جميع مركبات النقل الرئاسية من خط الإنتاج، مضيفًا أن إهداء طائرة من حكومة أجنبية سيستدعي على الأرجح فحصًا أكثر دقة.
وأوضح إيكلوف قائلًا: "سيفحصون تلك الطائرة بوصة بوصة ويقولون: 'هل هذه الصامولة تنتمي إلى هنا؟ هل هذا المسمار ينتمي إلى هنا؟'".
"كابوس استخباراتي" ونقل الطائرة إلى تكساس
وصف جاريت جراف الهدية بأنها "كابوس استخباراتي"، مشيرًا إلى أن ترامب أبدى اهتمامه بالطائرة منذ فبراير، مما يمنح أجهزة الاستخبارات الخصوم فرصة ووقتًا طويلًا لإيجاد طرق للتسلل إليها.
وكانت سجلات الطيران قد كشفت أن الطائرة القطرية نُقلت قبل خمسة أسابيع إلى مطار سان أنطونيو الدولي، مما يشير إلى أن التحضيرات لتحسين الطائرة قد تكون بدأت بالفعل.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال أن ترامب كلّف شركة المقاولات الدفاعية "إل 3 هاريس" بإعادة تهيئة الطائرة القطرية في تكساس، فيما أفادت شبكة "إيه بي سي نيوز" أن الطائرة ستُنقل إلى إدارة ترامب كهدية.
ووفقًا لإيان بيتشينيك، المتحدث باسم خدمة تتبع الرحلات الجوية "فلايت رادار 24"، غادرت الطائرة الدوحة في 30 مارس، وتوقفت في مطار شارل ديجول في باريس ثم في مطار بانجور الدولي في ولاية مين، قبل أن تطير إلى سان أنطونيو في 3 أبريل.
التنازل عن المتطلبات الأمنية
أشار كيندال إلى أن ترامب يمكنه، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، التنازل عن أي من إجراءات العناية الواجبة هذه، قائلًا: "الطريقة الوحيدة التي سيطير بها على هذه الطائرة أثناء وجوده في منصبه هي إذا تنازل عن الكثير من هذه المتطلبات".
ويأتي قبول ترامب للطائرة القطرية بعد سنوات من إحباط وزارة الدفاع الأمريكية وتشككها في قدرة شركة بوينج على تلبية خطط الحكومة الأمريكية للجيل القادم من طائرة "إير فورس ون".
مخاوف قانونية ومصير الطائرة بعد الرئاسة
تشير الصحيفة الأمريكية إلى أن قبول ترامب للطائرة، أثار مخاوف قانونية متعلقة بتضارب المصالح.
وبينما سارع مسؤولون ديمقراطيون إلى إدانة قبول ترامب للطائرة من حكومة أجنبية، أعرب حتى السيناتور ليندسي جراهام، حليف ترامب، عن تحفظاته قائلًا إنه يريد "التأكد من أن هذا الأمر برمته مشروع".
وفي سياق متصل، ذكرت واشنطن بوست أنه أثناء المناقشات حول نقل الطائرة، صاغ مكتب المستشار القانوني في وزارة العدل مذكرة توضح سبب اعتقاده بأن استلام ترامب للطائرة سيكون مسموحًا به.
ثم وقعت النائبة العامة بام بوندي، التي كانت مسجلة كمتخصصة في الضغط لصالح قطر خلال فترة ترامب الأولى، على تلك المذكرة لاحقًا.
كشف ترامب عن خططه المستقبلية للطائرة القطرية الفاخرة، إذ أشار أنه بمجرد انتهاء فترة رئاسته، لن يستخدم الطائرة للأغراض الشخصية بل سيتم نقلها لتكون معروضة بشكل دائم في مكتبة الرئاسية المستقبلية.
واستشهد ترامب بنموذج سابق لهذه الفكرة، حيث أشار إلى أن وضع طائرة "إير فورس ون" المتقاعدة كمعروضة دائمة في المكتبة الرئاسية للرئيس الأسبق رونالد ريجان، وهي طائرة كانت في الخدمة الرئاسية لنحو 30 عامًا قبل تقاعدها، "أسهم بشكل كبير في زيادة شعبية المكتبة ونجاحها في جذب الزوار".