في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة العربية، انعقدت القمة العربية الرابعة والثلاثون، اليوم 17 مايو 2025 في العاصمة العراقية بغداد، وسط ترقُب كبير لما قد تحمله من مخرجات تجاه القضايا الأكثر إلحاحًا في المنطقة، وفي مقدمة هذه القضايا أوضاع الدول العربية ذات العُمق الإفريقي، مثل السودان والصومال وليبيا، كأحد المحاور الجوهرية التي تتطلب اهتمامًا عربيًا استثنائيًا، ليس فقط بحكم انتماء هذه الدول إلى النظام الإقليمي العربي، بل لما تمثله من عمق استراتيجي وحيوي يمتد في القارة الإفريقية التي ترتبط بالمشرق العربي والمغرب العربي بروابط جغرافية وتاريخية عميقة.
وشهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في حدة الأزمات التي تعصف بهذه الدول، بدءًا من النزاع الأهلي في السودان الذي خلّف أوضاعًا إنسانية مأساوية، ومرورًا بالانقسام السياسي والمؤسسي في ليبيا الذي أجهض محاولات الانتقال السلمي، وانتهاءً بتراجُع مؤشرات الاستقرار الأمني والاقتصادي في عموم منطقة الساحل والصحراء، وهو ما جعل من قضايا العرب الأفارقة بندًا ثابتًا على جدول أعمال القمم العربية.
تأسيسًا على ما تقدم، يسعى التحليل لاستعراض أهم قضابا العرب الأفارقة في القمة العربية الـ34 المنعقدة بالعاصمة العراقية بغداد.
قضايا مُلِحة
تطرقت القمة العربية الـ34 في بغداد إلى جملة قضايا عربية إفريقية مُلحة، تتمثل أبرزها في:
(*) الأزمة السودانية: جاءت الأزمة السودانية في مقدمة القضايا التي تناولتها القمة العربية الـ34، لما تحمله من تداعيات إنسانية وأمنية مدمرة على السودان والمنطقة العربية والإفريقية برمتها، فقد دخل السودان منذ أبريل 2023 في دوامة من القتال الدموي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وأشار الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى أن ما يحدث في السودان ليس مجرد نزاع مسلح، بل هو تهديد وجودي لكيان الدولة السودانية، وأكد أن الجامعة العربية تقف إلى جانب السودان في هذه المحنة.
لذا، دعا الأمين العام خلال القمة إلى وقف فوري لإطلاق النار، والعودة إلى طاولة الحوار بين الفرقاء السودانيين، مع إبداء ثقته بقدرة السودان ومؤسساته على تجاوز الأزمة وإعادة بناء ما دمرته الحرب، كما دعا نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول إبراهيم جابر إلى وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن مدينة الفاشر وانسحاب ميليشيا الدعم السريع من كل المناطق، والتي تستهدف مقدرات الشعب السوداني.
(*) الأزمة الصومالية: يُعد الصومال أحد أبرز الملفات العربية الإفريقية التي استحضرتها القمة العربية الـ34 في بغداد، وسلط الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الضوء على أهمية دعم الصومال سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، مؤكدًا أن استقرار هذا البلد لا ينفصل عن الأمن العربي الأشمل، خاصة في ظل موقعه الجغرافي الإستراتيجي على خليج عدن، وتحوله إلى ساحة تنافس بين قوى إقليمية ودولية. فالصومال يواجه اليوم تحديات معقدة، أبرزها استمرار هجمات حركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تسعى إلى تقويض سلطة الحكومة المركزية في مقديشو، إلى جانب معارك الكر والفر في الأقاليم الداخلية، ما يضعف جهود بسط نفوذ الدولة.
لذا، تم التأكيد على رفض الجامعة العربية أي ترتيبات من شأنها تكريس الانقسام، وتدعم الحكومة المركزية في سعيها لاستعادة السيادة الكاملة على كامل أراضي الدولة، بما في ذلك ملف إقليم "أرض الصومال" المنفصل فعليًا منذ سنوات، ومساندة الصومال في الدفاع عن كامل ترابه.
(*) الأزمة الليبية: أما في ما يخص ليبيا، فتناولت كلمة الأمين العام ما وصفه بـ"الجمود الخطير" في المسار السياسي الليبي، محذرًا من أن استمرار الوضع القائم دون تقدم ملموس نحو حل شامل قد يُفضي إلى موجة جديدة من الصراع المسلح. فليبيا -رغم تراجع القتال المفتوح منذ عام 2021- لا تزال منقسمة بين حكومتين متنافستين: الأولى في العاصمة طرابلس برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد يدعمها مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح، في ظل غياب قاعدة دستورية موحدة لإجراء انتخابات تنهي المرحلة الانتقالية التي طال أمدها.
لذا، تمت الدعوة إلى ضرورة تفعيل المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة، ودعم لجنة الحوار الليبي الليبي للتوصل إلى قاعدة قانونية ودستورية تُنهي النزاع السياسي، وتسمح بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شفافة، كما حثّ الأمين العام على فرض سيادة الدولة اللبنانية وحصر السلاح بيدها، وتحقيق مصالحة شاملة تمكن ليبيا من تلبية تطلعات شعبه.
ختامًا، يتضح أن القمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد لم تكتفِ بتكرار البيانات الضمنية التقليدية، بل شهدت تحولًا ملحوظًا نحو طرح مبادرات عملية لمعالجة قضايا العرب الأفارقة، وفي مقدمتها السودان والصومال وليبيا. فالدعوات إلى وقف النزاعات، ودعم الحوار الوطني، وتسهيل المساعدات الإنسانية، إلى جانب مقترح إنشاء صندوق عربي لإعادة الإعمار، تعكس وعيًا متزايدًا بأهمية الانتقال من إدارة الأزمات إلى معالجتها جذريًا ضمن إطار عربي جامع.
وهذه الخطوات، وإن كانت لا تزال في بداياتها، تُشكّل مدخلًا واعدًا لإعادة بناء الثقة بين الشعوب العربية ومؤسسات العمل العربي المشترك، لكن نجاح هذه المبادرات مرهون بمدى جدية الدول العربية في تنفيذ ما تم إقراره.