الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من النكبة إلى الطوفان.. 77 عاما من مقاومة التهجير في فلسطين

  • مشاركة :
post-title
نازحون جراء محاولات التهجير القسري للفلسطينيين قديما وحديثا

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

لم تكن النكبة الفلسطينية عام 1948 مجرد لحظة تاريخية عابرة، بل كانت بداية لمعاناة طويلة ما زال يعيشها الشعب الفلسطيني بكل مرارة، من تشريد وشتات وفقدان للأرض والحقوق. مع هذا، ورغم اقترابها من إتمام العقد الثامن، لم تضعف من عزيمة الشعب الفلسطيني، بل زادته إصرارًا على التمسك بهويته الوطنية، وحقوقه المشروعة.

والآن، يستغل الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، لاستمرار تهجير الفلسطينيين، بعد استشهاد وإصابة أكثر من 200 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، ووجود أكثر من 11 ألف مفقود، وارتكاب 11,859 مجزرة ضد العائلات الفلسطينية.

وأدى العدوان إلى نزوح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني وتدمير أكثر من ثلثي البنية التحتية والمنازل والمنشآت العامة والخاصة في القطاع.

واليوم الأربعاء، أكد محمد مصطفى، رئيس الوزراء الفلسطيني، أن وعي شعب فلسطين وتمسكه بأرضه ووطنه سيُسقِطان كل محاولات التهجير المستمرة منذ النكبة، وليس آخرها مخططات تهجير الفلسطينيين في غزة بعد 8 أشهر من عمليات التدمير المُمَنهج والإبادة الجماعية المستمرة، التي تسببت بأكثر من 100 ألف من الشهداء والجرحى.

وشدد مصطفى في تصريحاته بمناسبة ذكرى النكبة، على أن "تصاعد اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية بما فيها القدس لن يدفع الشعب الفلسطيني إلى الركوع والاستسلام والرحيل، وسيصمد هو وقيادته في وجه التهديدات الإسرائيلية كما صَمد طيلة العقود الماضية"، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".

مشاهد من اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم إبان النكبة
مجازر من أجل التهجير

وفق بيانات الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، فإن 957 ألف فلسطيني تم تهجيرهم من أصل 1.4 مليون كانوا يقيمون في نحو 1300 قرية ومدينة فلسطينية عام 1948. كما سيطر الاحتلال على 774 قرية ومدينة فلسطينية، منها 531 تم تدميرها بالكامل، فيما تم إخضاع ما تبقى من المناطق فلسطينية لدولة الاحتلال وقوانينها.

 واضطر كثير من هؤلاء الراحلون قسرا للانتقال إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، إضافة إلى حركة التهجير الداخلي بين الأراضي التي خضعت لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي منذ إعلان قيام دولة إسرائيل.

وارتكبت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، أدت إلى استشهاد ما يزيد على 15 ألف فلسطيني.

الآن، هناك 15.2 مليون فلسطيني في العالم -منتصف عام 2025- أكثر من نصفهم يقيمون خارج فلسطين التاريخية -بينهم 6.5 مليون في الدول العربية- فيما يقيم نحو 7.4 مليون فلسطيني في فلسطين التاريخية، وفق الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء.

في المقابل، تشير تقديرات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية إلى أن نحو 7.4 مليون يهودي في الأراضي المحتلة، وبذلك يتساوى عدد الفلسطينيين والإسرائيليين في فلسطين التاريخية مع منتصف عام 2025.

نزوح جماعي للفلسطينيين جراء اعتداء عصابات الصهيونية
عربات جدعون

في أوائل مايو، وافق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر على خطة أطلق عليها اسم "عربات جدعون"، والتي يقول إنها قد تبدأ بمجرد انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة. تتضمن الخطة تهجير السكان الفلسطينيين في غزة بالقوة مع الاستيلاء على ما تبقى من القطاع واحتلاله.

وفي 5 مايو، أعلن نتنياهو أنه "لن يكون هناك دخول وخروج" من القطاع؛ فيما قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن إسرائيل "ستحتل قطاع غزة أخيرًا".

وأشار سموتريتش، الذي قال سابقًا إن غزة "ستدمر بالكامل" وسكانها الفلسطينيون "سيغادرون بأعداد كبيرة إلى دول ثالثة"، إلى أنه "ينبغي ألا تُعدَّل هذه الخطط، حتى لو أُطلق سراح المحتجزين.

وتقترن هذه الخطط بالتدمير المنهجي للمنازل، والمباني السكنية، والحقول، والمدارس، والمستشفيات، ومرافق المياه والصرف الصحي، فضلًا عن استخدام التجويع. أصبحت هذه الأفعال ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما يشمل الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية. ما يستدعي "واجب المنع" بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية.

وبالنسبة للدول الأطراف في الاتفاقية البالغ عددها 153، فإن واجب منع الإبادة الجماعية ينشأ بمجرد أن تعلم الدولة -أو يُفترض أن تعلم- بوجود خطر جسيم يتمثل في ارتكاب الإبادة الجماعية، ولا يُشترط وجود قرار نهائي بأن الإبادة الجماعية جارية بالفعل.

وتُلزم اتفاقية الإبادة الجماعية الدول الأطراف "باستخدام جميع الوسائل المتاحة لها في حدود المعقول لمنع الإبادة الجماعية قدر الإمكان".

كما تدفع إسرائيل والولايات المتحدة بخطة جديدة للاستعانة بمتعاقدين عسكريين من القطاع الخاص لتهجير الفلسطينيين بدعوى "تقديم المساعدات إلى أجزاء معينة من غزة".

لكن في 4 مايو، حذرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة العاملة في غزة، في بيان مشترك، من أن الخطة "يبدو أنها صُممت بهدف ترسيخ السيطرة على المواد التي تحافظ على الحياة كما لو كانت تكتيكا لممارسة الضغط، على حين يزيد من تكريس التهجير القسري".

وفي حين أن السلطات الإسرائيلية اتبعت التهجير القسري كسياسة دولة، ما جعل القطاع غير صالح للسكن وتهجير جميع سكان غزة تقريبًا، أكد المسؤولون الإسرائيليون أن المناطق التي "أخلاها" الجيش الإسرائيلي من الآن فصاعدا ستتبع "نموذج رفح"، وهو تعبير خادع لحقيقة تدمير البنية التحتية المدنية.

عمليات النزوح في غزة
فلسطين للفلسطينيين

في ذكرى النكبة، أصدرت اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة بيانًا أكدت فيه تمسك الشعب الفلسطيني بحقه في العودة ورفضه القاطع لكل مشاريع التهجير والتوطين والوطن البديل، مشددة على أن "فلسطين للفلسطينيين" وأن "ما ضاع حق وراءه مطالب".

وسلط البيان الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة، وحذرت اللجنة من خطر المجاعة الذي يهدد ما يزيد على 2.4 مليون فلسطيني في غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي، ومنع إدخال المساعدات الغذائية والطبية والوقود، واستمرار إغلاق المعابر منذ 1 مارس الماضي.

كما أشار البيان إلى الحملة الإسرائيلية المتصاعدة ضد مدن ومخيمات الضفة الغربية والقدس، والتي أسفرت عن استشهاد العشرات، ونزوح أكثر من 45 ألف فلسطيني، وتدمير أو حرق مئات المباني، بما فيها 2679 منزلاً في مخيمي طولكرم ونور شمس، وأكثر من 600 مبنى في مخيم جنين.

وأكدت اللجنة أن الاحتلال لا يزال يواصل تنفيذ مخططاته الرامية إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، من خلال استهداف وكالة "أونروا"، التي فقدت أكثر من 70% من منشآتها في قطاع غزة، واستشهد 295 من موظفيها خلال العدوان الإسرائيلي.

وأضاف البيان أن الكنيست الإسرائيلي أقر قانونين في 28 أكتوبر 2024 لحظر عمل الأونروا في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، ودخلا حيز التنفيذ في يناير 2025، ضمن مسعى واضح لتفكيك الوكالة وتقويض ولايتها وفقًا لقراري الأمم المتحدة 194 و302.

وجددت اللجنة رفضها لمشروع "الوطن البديل"، ومخطط تهجير سكان قطاع غزة، مؤكدة أن صمود الشعب الفلسطيني أحبط تلك المخططات، وأفشل المشروع الأمريكي المسمى بـ "ترامب ريفيرا الشرق الأوسط"، معتبرة أن ما يُرتكب في غزة من حرب إبادة وتجويع، وفي الضفة من تدمير وتهجير، يعيد مشهد النكبة الأولى إلى الواجهة.