خلال زيارته لإسرائيل، أهدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبار مسؤولي الموساد المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف جهاز "بيجر" يُخلّد العملية التي فجرت فيها إسرائيل أجهزة يستخدمها حزب الله اللبناني، مما أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف من عناصرها.
وبصفته وزير خارجية حكومة الظل الأمريكية، جاء الإهداء على ظهر الجهاز: "عزيزي ستيف، صديق دولة إسرائيل، اليهودي الصلب".
هنا، يشير إسحاق بيكر، الكاتب في مجلة "ذا أتلانتيك"، إلى أنه "إذا كان أحد تعريفات الصلابة اليهودية هو الاستعداد للوقوف في وجه نتنياهو، الذي أحبط رؤساء أمريكيين منذ عهد بيل كلينتون، فإن ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب في كل شيء تقريبًا، يستحق هذا الوصف".
ويوضح: "فقد ضغط على الإسرائيليين للموافقة على وقف إطلاق النار واتفاقية الأسرى التي تم التفاوض عليها في يناير بمساعدة مصر وقطر. وهذا الأسبوع تحديدًا، ومن وراء ظهر نتنياهو، حقق انتصارًا آخر، بالضغط على حماس عبر وسيط لإطلاق سراح عيدان ألكسندر، آخر رهينة أمريكي على قيد الحياة في غزة".
مفاوض بارع
بينما أربك صعود ويتكوف -رجل العقارات في نيويورك البالغ من العمر 68 عامًا- المذهل على الساحة العالمية الدبلوماسيين الأمريكيين المحترفين، فقد أضرّ بمهام ماركو روبيو، وزير الخارجية الحالي ومستشار الأمن القومي المؤقت.
تعود علاقة ترامب وويتكوف إلى 40 عامًا، يرتاد بانتظام نوادي الجولف العديدة التابعة للرئيس، وكلاهما أحد أقطاب العقارات، ووقف إلى جانب ترامب خلال إفلاسه، وطلاقين، وعزله مرتين، ومحاولتي اغتيال، وتنصيبه مرتين "الآن، طلب ترامب من صديقه حل العديد من أخطر مشاكل العالم، مشاكل هزمت أجيالًا من الرؤساء والدبلوماسيين الأمريكيين".
يبدو أن ويتكوف غير منزعج إلى حد كبير من التاريخ الطويل للفشل الدبلوماسي الأمريكي في الشرق الأوسط تحديدًا. ومثل ترامب، فهو من أتباع المعاملات التجارية، ويرى آية الله خامنئي وفلاديمير بوتين -من بين آخرين- ليس كسلطويين ميكافيليين قاسيين أسرى أيديولوجيات متجذرة وشديدة العداء، بل كمفاوضين أذكياء، مثل العديد من محامي العقارات الذين واجههم في مجال الأعمال، يبحثون عن أفضل صفقة ممكنة.
مع الإسرائيليين، أبدى ويتكوف مزيدًا من التشكك. ولضمان اتفاق يناير، أخبر ويتكوف ديفيد بارنيا، رئيس الموساد، أنه سيُضطر إلى الاستجابة لأصدقائه الذين لن يعود أبناؤهم من الأسر في غزة إذا لم توافق إسرائيل. في تلك الفترة تقريبًا، بدأ الأمريكيون حوارًا مباشرًا مع حماس، وهو ما يُخالف البروتوكول الأمريكي.
وقد أدى تجاوب الحركة هذا الأسبوع - الذي تم التفاوض عليه بمساعدة بشارة بحبح رئيس مجموعة كانت تُعرف سابقًا باسم "العرب الأمريكيون من أجل ترامب" - إلى تهميش إسرائيل تمامًا من العملية.
تنقل "ذا أتلانتيك" عن آرون ديفيد ميلر، المحلل والمفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط بالخارجية الأمريكية، إن ويتكوف "مُنح سلطة استخدام أدوات لم تستخدمها أي إدارة من قبل". لافتا إلى أنه "لم نشهد قط إدارة تنفصل عن إسرائيل بهذه الطريقة".
بلا خبرات
لا يمتلك ويتكوف أي خلفية رسمية في العلاقات الدولية، كما أنه لا يمتلك تدريبًا أو خبرة دبلوماسية. ولعقد صفقات في مسائل متنوعة ومعقدة كالحرب الروسية الأوكرانية والبرنامج النووي الإيراني، يعتمد ويتكوف بشكل كبير على حدسه، وسجله الحافل بالنجاحات في مفاوضات العقارات، وصداقته الشخصية مع الرئيس.
ووفق بيكر، في الأشهر الأخيرة، قرأ ويتكوف العديد من الكتب وشاهد أفلامًا وثائقية حول الصراعات العالمية "لقد أصبح يؤمن، كما فعل ترامب في السياسة، بأنه قادر على استغلال نقص الخبرة لصالحه، وأن ينجح حيث فشل المحترفون". ويُقال إن بعض الدبلوماسيين الذين اختارهم ترامب بنفسه لديهم تحفظات عميقة بشأن أسلوب ويتكوف.
صدم ويتكوف خبراء السياسة الخارجية الأمريكية بعودته من اجتماعه مع بوتين في مارس، مُكررًا نقاط نقاش الكرملين في مقابلة مع المذيع "تاكر كارلسون". قال ويتكوف إن بوتين "لا يريد أن يرى الجميع يُقتلون"، وبدا أن المبعوث يُصادق على مزاعم روسيا بشأن المناطق الشرقية من أوكرانيا بناءً على استفتاءات أُجريت هناك عام 2022.
كما أشاد ويتكوف بسحر بوتين الشخصي، قائلاً إن الزعيم الروسي كان "يدعو لصديقه" بعد أن خدشت رصاصة أذن ترامب في تجمع انتخابي العام الماضي.
وقال عن بوتين ببساطة: "لقد أحببته".
ولاؤه مطلق
وفق "ذا أتلانتيك"، يبدو أن دور ويتكوف يرتكز على عدة فرضيات، أن النزاعات الدولية لا تحل على أفضل وجه من خلال المؤسسات المتعددة الأطراف ولكن من خلال القوى العظمى في العالم -ممثلة في المبعوثين الشخصيين للقادة الأقوياء- وأن الضرورات التجارية يمكن أن تتغلب على الكراهية القديمة، سواء كانت عرقية أو دينية؛ وأن أهداف الولايات المتحدة عملية في الأساس، وليست مهتمة بشكل مفرط بالصواب والخطأ.
ويعتبر ويتكوف واقعيًا، فهو يُفكّر ويتصرف "بمقتضى المصلحة المُعرّفة بالسلطة"، وإن كان قد صاغها بطريقة مختلفة. قال لمحرر المجلة التي تسببت في أكبر فضائح إدارة ترامب الجديدة (تسريبات سيجنال): "لستُ مُنظّرًا. تذكّر، أنا دبلوماسيٌّ هاوٍ. الدبلوماسية هي التفاوض، لقد مارستها طوال حياتي".
بالفعل، ما يفتقر إليه ويتكوف من خبرة دبلوماسية، يُعوّضه بثقة الرئيس. قال مساعدوه وحلفاؤه الآخرون إن ترامب يثق في ويتكوف "لأنه نجح في مسعىً يحترمه الرئيس، وهو جني المال، ولأن ولاءه مطلق".
ونقل التقرير عن سوزي وايلز، رئيسة موظفي البيت الأبيض: "شخصٌ مثل دونالد ترامب لديه معارف كثيرة، كثيرة جدًا لدرجة يصعب حصرها. لكنني أعتقد أنه سيقول إنه لا يملك سوى عدد قليل جدًا من الأصدقاء الحقيقيين خارج عائلته، ويجب أن يكون ستيف الأول بين نظرائه هناك".
في المقابل، يعود إخلاص ترامب لويتكوف في جزء كبير منه إلى ولائه بعد أعمال الشغب في مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، عندما تخلى العديد من حلفائه السابقين عن الرئيس السابق.
تنقل المجلة عن توماس باراك الابن، ملياردير الأسهم وصديق ترامب ىالذي يشغل الآن منصب السفير الأمريكي لدى تركيا: "كان ستيف إلى جانبه في أسوأ لحظات حياته. خلال تلك الفترة التي امتدت لأربع سنوات، ظن معظم العالم أنه لن يعود رئيسًا مرة أخرى، أو ربما لن يرى النور أبدًا، لكن ستيف ظل متمسكًا بدونالد".
وفي عام 2023، شهد ويتكوف لصالح ترامب خلال قضية الاحتيال المدني التي رفعها المدعي العام في نيويورك ضد عائلة الرئيس السابق. وكان يلعب الجولف مع ترامب خلال محاولة اغتياله الثانية، في النادي الخاص به في ويست بالم بيتش في سبتمبر.