في زمن باتت فيه الشاشات أقرب للطلاب من الكتب، أثار مقطع فيديو لمعلمة أمريكية ضجة كبيرة على الإنترنت، بعد أن كشفت فيه، بصراحة لافتة، الأسباب التي دفعتها إلى الاستقالة من التدريس.
المعلمة هانا ماريا، المنتمية إلى الجيل Z، شاركت تجربتها المؤلمة في فيديو على "تيك توك" قبيل آخر يوم لها داخل الصف، لتفتح من خلاله نقاشًا واسعًا حول مستقبل التعليم وتراجع المهارات الأساسية لدى الأطفال في ظل الاعتماد المفرط على التكنولوجيا.
التكنولوجيا تدمر التعليم
"كل شيء تغيّر"، تقول هانا ماريا وهي تصور نفسها من داخل فصلها الدراسي، "فالتكنولوجيا لم تُحسن التعليم كما وُعِدنا، بل دمرته".
ماريا، معلمة اللغة الإنجليزية للصف العاشر في منطقة تعليمية أمريكية توفّر جهاز iPad لكل طالب من الصف السادس إلى الثاني عشر، تقول إن اعتماد الطلاب الكلي على الأجهزة أدى إلى تراجع حاد في القدرة على القراءة والكتابة.
ووصفت هانا ما يحدث بأنه "انحدار أدبي"، حيث أشارت إلى أن بعض الطلاب لا يعرفون القراءة، لأنهم ببساطة يعتمدون على خاصية قراءة النصوص آليًا أو يُطلب منهم ألا يقرؤوا بأنفسهم على الإطلاق.
جيل يفتقر إلى التركيز
تضيف ماريا أن الأطفال اليوم يفقدون القدرة على التركيز بسبب التعرض المستمر للمحفزات الرقمية، موضحة: "هم معتادون على التمرير السريع، لا يمكنهم الجلوس لدقائق بلا تشتت".
وعندما حاولت تعليم طلابها الكتابة اليدوية، لم تواجه مقاومة لفظية، بل صمتًا وانسحابًا أو نوبات غضب، على حد وصفها. "هؤلاء الأطفال لا يظهرون حتى الرغبة في التغيير أو الإسهام في العالم. أعتقد أنه علينا عزلهم عن التكنولوجيا – ربما حتى دخولهم الجامعة"، تضيف.
انتشار واسع ورسالة صادمة
الفيديو الأصلي، الذي نُشر على "تيك توك"، انتشر بسرعة، وأُعيد تداوله على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) حيث تجاوزت عدد مشاهداته 4.3 مليون. ورغم أن الحساب الأصلي على "تيك توك" تم تحويله إلى خاص، إلا أن الرسالة كانت قد وصلت بالفعل.
أرقام مقلقة من الواقع الأمريكي
كلام هانا ماريا لم يكن صرخة فردية. فبيانات رسمية تعزز ما قالته، ووفقًا للمعهد الوطني لمحو الأمية في الولايات المتحدة، فإن 21% من البالغين في أمريكا أميون بحلول عام 2024، وأكثر من نصف السكان البالغين (54%) لديهم مستوى معرفة دون الصف السادس، بحسب "نيوزويك".
تقرير التقييم الوطني للتقدم التعليمي (NAEP) الصادر في يناير 2025، أظهر أن مهارات القراءة والرياضيات لدى طلاب الصف الرابع والثامن تراجعت إلى ما دون المعدلات العامة في عدد كبير من الولايات.
وقالت بيجي كار، مفوضة المركز الوطني لإحصاءات التعليم: "نتائج عام 2024 تُظهر بوضوح أن طلابنا ليسوا حيث ينبغي أن يكونوا".
التعليم على مفترق طرق
في خطوة مثيرة للجدل، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بتفكيك وزارة التعليم الأمريكية، التي تأسست عام 1980 على يد الرئيس جيمي كارتر، ما قد يغير مستقبل النظام التعليمي بالكامل.
ويُقدّر المعهد الوطني لمحو الأمية أن انخفاض مهارات القراءة والكتابة يُكلف الاقتصاد الأمريكي نحو 2.2 تريليون دولار سنويًا، ما يسلّط الضوء على حجم الأزمة وتأثيرها العميق على المجتمع الأمريكي.