الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما ذنب الحيوانات؟.. حديقة حيوان طرابلس تصرخ من الفوضى

  • مشاركة :
post-title
حديقة الحيوانات بطرابلس

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في قلب العاصمة الليبية طرابلس، حيث يُفترض أن تنبض الحياة بسلام، تحولت شوارعها إلى ما يشبه أطلال مدينة منسية، لا صوت يعلو فيها فوق أزيز الرصاص، لم تكن الفوضى السياسية وحدها ما خنق طرابلس، بل انفجرت معها موجة شرسة من النهب والسطو، بلغت ذروتها باجتياح حديقة الحيوان، رمز الطفولة والبراءة، على أيدي جماعات مسلحة.

مقتل الككلي

واشتعلت الفوضى والاشتباكات المسلحة بعد مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، أحد أقوى قادة التشكيلات المسلحة في ليبيا، رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي الليبي، لتصبح مدينة أبو سليم الليبية في قلب العاصمة طرابلس مرتعًا للفوضى، وساحة مفتوحة لكل أشكال الترويع والنهب.

منطقة أبو سليم، إحدى أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان، كانت بؤرة الأحداث، قرب حديقة الحيوان، إذ تحوّل الحي إلى مسرح لعمليات نهب ممنهجة، كما نقلت صحيفة "الساعة 24" الليبية، حيث اقتحمت مجموعات مسلحة المتاجر والمنازل، وحطّمت الأبواب، وسرقت المحتويات أمام أعين سكان مذهولين، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وثّق المواطنون شوارع خاوية، ومحلات منزوعة الأمان، وأصواتًا تستغيث من خلف النوافذ.

اقتحام حديقة الحيوان

كان اقتحام حديقة الحيوان في طرابلس من أكثر المشاهد رمزية في الانهيار الأمني، أفادت مصادر محلية أن مجموعات مسلحة تسللت إلى داخل الحديقة، وسرقت محتوياتها، من معدات وأدوات، بل وصل الأمر إلى العبث بأقفاص الحيوانات وسرقة بعضها، في مشهد يعكس غياب أدنى درجات حماية المرافق العامة، هذا الاعتداء لم يكن مجرد سطو على ممتلكات، بل انتهاك صريح لمعالم المدينة، وجريمة ضد الرموز البيئية.

في استجابة سريعة، أطلقت منظمة البراري لصون الطبيعة في ليبيا نداءً عاجلًا، ناشدت فيه السلطات الأمنية بالتدخل الفوري لحماية ما تبقى من الحياة البرية داخل الحديقة، ووصفت ما حدث بأنه "انتهاك خطير" طال حيوانات نادرة.

وأكدت المنظمة أن بعض الحيوانات تعرّضت للسرقة، منها الودّان والأيل الأوروبي، كما قُتلت لبوة بيضاء نادرة، في واقعة وصفتها المنظمة بـ"جريمة في حق التنوع البيولوجي والحياة البرية في ليبيا". هذا الحادث أعاد إلى الواجهة هشاشة البنية الأمنية في العاصمة، وكشف عن تقصير بالغ في حماية المرافق البيئية.

وذكر تلفزيون المسار الليبي أن حديقة الحيوان الواقعة في منطقة أبوسليم بالعاصمة الليبية طرابلس شهدت حادثة سلب مثيرة للقلق، مشيرة إلى أن مجموعة مسلحة تابعة لوزارة الداخلية في حكومة عبد الحميد الدبيبة التي أقدمت على اقتحام الحديقة وسرقة عدد من الخيول الموجودة فيها.

دعوات للتحقيق وتأمين الحديقة

طالبت المنظمة بتأمين شامل لمرافق الحديقة، وفتح تحقيق فوري في جرائم السرقة والقتل، مع اتخاذ تدابير سريعة لحماية ما تبقى من الحيوانات، كما دعت إلى محاسبة المتورطين في هذه الحوادث، التي قالت إنها "تفضح هشاشة الإجراءات الأمنية داخل الحديقة"، وتحذر من "خطر محدق" يتهدد الكائنات التي لا تزال على قيد الحياة.

وأكدت أن حماية الحيوانات ليست ترفًا بيئيًا، بل مسؤولية وطنية، لا سيما أن الحديقة تحتضن أنواعًا نادرة تُعدّ جزءًا من التراث الطبيعي الليبي، يجب صونه من الاستهتار والنهب.

صرخة بيئية

ما جرى في حديقة الحيوان لم يكن استثناءً، بل وجهًا آخر لأزمة أوسع تعصف بطرابلس، حيث أصبحت الفوضى هي القاعدة، والدولة غائبة عن المشهد، وجعل الصمت الرسمي، والتخبط في القرارات، وعدم القدرة على التدخل السريع، من العاصمة ساحة مكشوفة لعصابات السلاح، تتجول وتنهب كما تشاء، دون خوف من حساب أو ردع.

في الوقت الذي تتصارع فيه القوى المسلحة على النفوذ والسيطرة، تدفع البيئة والحياة البرية الثمن الأكبر ما حدث في طرابلس ليس فقط كارثة أمنية، بل كارثة بيئية تُهدد بانقراض أنواع نادرة من الكائنات، وتعكس عجزًا تامًا عن حماية ما تبقى من الرموز المدنية في المدينة.

ولعل صرخة منظمة البراري، التي طالبت بـ"الوقوف بحزم أمام كل أشكال الاستهتار بالحياة البرية"، تمثل نداءً أخيرًا قبل أن تفقد طرابلس حتى حدائقها.