الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

وسط أعمال سلب ونهب.. هدوء حذر يسود طرابلس بعد ليلة دامية

  • مشاركة :
post-title
اشتباكات مسلحة وقتل وسلب ونهب في العاصمة الليبية

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

بين ظلال الرعب وأصداء الرصاص، عاشت العاصمة الليبية طرابلس ليلة حالكة السواد، لم تكن تشبه إلا لقطات من فيلم فوضوي مريع، تتداخل فيه أقدار الميليشيات والضحايا، في لحظة، سقط أحد أقوى رجال التشكيلات العسكرية في ليبيا، وهو عبد الغني الككلي المعروف باسم "غنيوة"، فانهار معه ما تبقى من هدوء زائف في العاصمة الليبية طرابلس.

سرعان ما تحولت شوارع طرابلس، خاصة حي أبو سليم وحديقة الحيوان القريبة، إلى مسرح مفتوح لعمليات سلب ونهب ممنهجة، عكست حجم الانفلات الأمني وغياب سلطة الدولة، وسط صرخات المدنيين ومناشدات العائلات الخائفة خلف الأبواب والنوافذ.

غنيوة الككلي رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي الذي قتل أمس
إشعال فتيل المواجهات

في مساء أمس الاثنين، وبينما كان الليل يلقي بأستاره على طرابلس، تناولت وسائل الإعلام الليبية خبر مقتل عبد الغني الككلي، قائد جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، وذلك داخل مقر اللواء 444 قتال، التابع للقوات العسكرية بالمنطقة الغربية، إذ كان "الككلي" الذي اشتهر بنفوذه الواسع داخل العاصمة، خاصة في حي أبو سليم، لسنوات طويلة محورًا في توازنات القوى بين الفصائل المسلحة المتنازعة في الغرب الليبي.

ويحكم البلد الذي مزقته الحرب والانقسامات منذ أكثر من عقد من الزمن، حكومتان، إحداهما حكومة "الوحدة" في طرابلس، تدعمها مجموعات مسلحة متحالفة معها، إلى جانب حكومة ثانية مقرها بنغازي شرقي البلاد تسيطر على أغلب مناطق البلاد، حيث نطاق سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

وجاء مقتل "الككلي" المفاجئ بعد سلسلة من النزاعات المتصاعدة مع جماعات منافسة، خاصة تلك المرتبطة بمدينة مصراتة في الغرب الليبي، ومع تأكيد نبأ مقتله، اندلعت اشتباكات عنيفة في أنحاء متفرقة من طرابلس، حيث سُمِع دوي إطلاق النار في أحياء مثل أبو سليم وصلاح الدين، وفق ما نقلته وكالة "رويترز" عن شهود عيان.

وأفاد مركز الطوارئ والدعم الليبي بانتشال 6 جثث من محيط الاشتباكات، بينما دعت وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوحدة بغرب ليبيا المواطنين إلى البقاء في منازلهم حفاظًا على سلامتهم، في إعلان يعكس مدى خطورة الوضع الأمني في العاصمة.

نهب وسرقة وسط العاصمة

في خضم الاشتباكات والفوضى، لم تكن الطلقات وحدها ما يرعب السكان، بل امتدت الأيدي العابثة إلى المحال التجارية والمنازل، حيث شهدت منطقة أبو سليم، وخاصة محيط حديقة الحيوان، عمليات سطو ونهب واسعة للممتلكات العامة والخاصة، في غياب تام لأي تدخل فوري من القوات الأمنية، بحسب ما أكدته صحيفة "الساعة 24" الليبية.

المشاهد المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت شوارع خالية سوى من الدمار، ومحلات مخلّعة الأبواب، وأسواقًا نهبت عن آخرها، وسط ذهول السكان وصمت السلاح الرسمي، لقد تحولت الفوضى إلى غطاء مفتوح للصوص، مستفيدين من الانقسام الأمني وتخبط السلطات.

أحد أبرز مشاهد الانفلات الأمني كان ما تعرضت له حديقة الحيوان في طرابلس، وهي أحد الرموز المدنية البارزة في المدينة، إذ أفادت مصادر محلية بقيام مجموعات مسلحة باقتحام الحديقة وسرقة محتوياتها، بما فيها معدات وأدوات حيوية، كما وردت أنباء عن حالات عبث بالحيوانات والأقفاص، في مشهد يعكس تمامًا حجم التردي في حماية المرافق العامة.

إحدى مشاهد التعدي على حيوانات حديقة الحيوان بطرابلس
الأمم المتحدة

بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبّرت عن "قلقها البالغ" إزاء تصاعد الوضع الأمني في طرابلس، مطالبة جميع الأطراف بوقف فوري لإطلاق النار، مشيرة إلى أن "الهجمات على المدنيين والأهداف المدنية قد ترقى إلى جرائم حرب".

وأكدت البعثة الأممية، أن الأحياء التي اندلعت فيها المواجهات تشهد كثافة سكانية عالية، ما يفاقم من حجم الخطر المحدق بالمدنيين، كما دعت إلى احترام القانون الدولي الإنساني، والتزامات حماية المدنيين، في رسالة بدت أنها موجهة أساسًا للميليشيات التي تجاوزت كل الخطوط.

الككلي سجل حافل بالاتهامات الدولية

لم يكن عبد الغني الككلي مجرد قائد ميليشيا محلي، بل كان، بحسب تقارير أممية، عنصرًا أساسيًا في شبكة النفوذ والفساد التي تديرها جماعات مسلحة داخل ليبيا، ووفق تقرير صادر عن لجنة خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ديسمبر 2024 وصف الككلي بأنه "شخصية محورية" في تمويل الميليشيات، من خلال ممارسات وصفت بالفاسدة والمنهجية.

وفي عام 2022، قدّم المركز الأوروبي للحقوق الدستورية شكوى من 189 صفحة إلى المحكمة الجنائية الدولية، أدرج فيها اسم الككلي كمتهم محتمل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، خاصة في ما يتعلق بالانتهاكات المنهجية للمهاجرين.

طرابلس مدينة بلا حماية

رغم التحركات الرسمية المتأخرة، ومنها إعلان وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوحدة استعادة السيطرة على أبو سليم، ورفع حالة التأهب الأمني والصحي، فإن حالة الرعب ظلت سيدة الموقف في طرابلس، فالسلطات الصحية أعلنت "النفير العام"، وجهّزت سيارات إسعاف وفرق إنقاذ تحسبًا لأي طارئ.

بدورها أطلقت وزارة الداخلية التابعة لحكومة طرابلس خطة أمنية موسعة في محاولة لفرض النظام، حيث أعلنت عن انتشار مكثف للدوريات الأمنية، واستهداف الخارجين عن القانون، خاصة في منطقة أبو سليم، إلا أن الثقة العامة في قدرة الحكومة على ضبط الأوضاع تراجعت بشكل واضح، وسط اتهامات بعدم الجاهزية والتراخي.

قرارات بعد فوات الأوان

حاول رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبد الحميد الدبيبة، في وقت لاحق، استعادة زمام المبادرة، من خلال إصدار حزمة من القرارات تهدف إلى وصفه بـ"فرض هيبة الدولة"، أبرزها كان إلغاء إدارة العمليات والأمن القضائي ضمن جهاز الشرطة القضائية، وتشكيل لجنة للتحقيق في أوضاع السجون ومراكز التوقيف، والتحقق من قانونية الاحتجازات وملفات المعتقلين الذين لم تُنفذ بحقهم قرارات الإفراج.

كما نُقلت تبعية هيئة أمن المرافق والمنشآت إلى وزارة الداخلية، في خطوة لدمج الهياكل الأمنية وضبطها، ورغم تلك الإجراءات، فإن مراقبين اعتبروها "ردود فعل متأخرة"، لا ترتقي إلى مستوى الأزمة الأمنية التي تعيشها العاصمة.

ليبيا بلد النفط والميليشيات

ليبيا، البلد الغني بالنفط، لم يعرف منذ عام 2011 استقرارًا حقيقيًا، فقد أدى تدخل حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وسقوط النظام السابق، إلى فراغ أمني استغلته الفصائل المسلحة، ما أدى إلى تقسيم البلاد عام 2014 بين حكومتين متنافستين، ورغم التوصل إلى وقف إطلاق نار في 2020، وإطلاق حكومة وحدة وطنية بدعم أممي عام 2021، فإن الواقع الأمني لم يتغير جذريًا، وبقيت العاصمة طرابلس رهينة لسلاح الميليشيات، بينما تقف الدولة عاجزة عن حماية أبنائها أو تطبيق القانون.