تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إعادة أمريكا اللاتينية إلى مدار نفوذ الولايات المتحدة، ملوّحة بنسخة حديثة من "عقيدة مونرو" التي أرستها الولايات المتحدة عام 1823 لرفض تدخل القوى الأجنبية في نصف الكرة الغربي.
في المقابل، استقبلت بكين هذا الأسبوع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا وعددًا من قادة أمريكا اللاتينية والكاريبي، في مسعى واضح من الصين لتعزيز موطئ قدمها الاستراتيجي في المنطقة، حيث لا ترى معظم دول القارة في بكين مجرد شريك اقتصادي فحسب، بل أحيانًا كقوة موازية للهيمنة الأمريكية.
تنويع التحالفات
وفي السياق، قال مساعد وزير الخارجية الصيني مياو ديو، إن ما تريده شعوب أمريكا اللاتينية هو الاستقلال وتقرير المصير، وليس ما يسمى بـ"عقيدة مونرو الجديدة"، في إشارة صريحة إلى طموحات ترامب وحلفائه في فرض الوصاية مجددًا على المنطقة، بحسب وكالة الأنباء الصينية "شينخوا".
كان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أكد أن إدارة ترامب ستركّز على "أولوية القارة الأمريكية"، وجعل زيارته الخارجية الأولى إلى دول مثل بنما وجواتيمالا، إلا أن السياسات الحمائية وتهديدات ترامب بالسيطرة على قناة بنما أثارت مخاوف عواصم أمريكا اللاتينية، خاصة تلك التي تملك تاريخًا متوترًا مع واشنطن.
ويرى الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا أن الصين تمثل شريكًا استراتيجيًا لإعادة التوازن في النظام العالمي، وليس فقط شريكًا تجاريًا. ووفقًا للبروفيسور ماتيوس سبكتور من جامعة "جيتوليو فارجاس" البرازيلية: فإن "استراتيجية لولا واضحة تنويع التحالفات، تقليص الاعتماد على واشنطن، وإبراز دور البرازيل كقوة مؤثرة في عالم متعدد الأقطاب"، بسحب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وقد عقد "لولا" مباحثات مع نظيره الصيني شي جين بينج، في إطار اجتماع مع قادة مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي (CELAC)، وهي مجموعة تستثني الولايات المتحدة وكندا. ومن أبرز المشاركين أيضًا، الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو، بحسب "شينخوا".
علاقات اقتصادية متينة
خلال العقدين الماضيين، أصبحت الصين من أكبر المشترين للموارد الطبيعية من دول مثل البرازيل وتشيلي وبيرو، واستثمرت في البنية التحتية من جسور وسدود وموانئ.
ورغم العلاقات الودية، فرضت حكومة لولا أخيرًا رسومًا جمركية على منتجات صينية كالحديد والصلب وكابلات الألياف البصرية، في محاولة لحماية الصناعات المحلية.
ويقول ريان بيرج، مدير برنامج الأمريكيتين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "هناك قلق واسع من أن تقوم الصين بتحويل صادراتها الرخيصة إلى أمريكا اللاتينية إذا أُغلقت أمامها الأسواق الأمريكية، وهو ما قد يهدد الصناعات المحلية"، بحسب "نيويورك تايمز".
أما المكسيك، ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية بعد البرازيل، فتتخذ موقفًا أكثر حذرًا تجاه الصين بسبب ارتباطها التجاري العميق بالولايات المتحدة، إلا أن ذلك لم يمنع الصين من اختراق السوق المكسيكية، خاصة في قطاع السيارات، حيث أصبحت المكسيك اليوم تستحوذ على نحو 2.4% من صادرات الصين، متقدمة على البرازيل.
وقال البروفيسور إنريكي دوسيل بيترز، المتخصص في العلاقات الاقتصادية بين أمريكا اللاتينية والصين للصحيفة الأمريكية: "النخبة السياسية المكسيكية منقسمة بين التزاماتها التقليدية مع واشنطن وفرص التعاون الاقتصادي مع بكين".
القمة المقبلة
وترى "نيويورك تايمز" أن "شي" يراهن على الإصرار والتجارة لتعزيز نفوذ بلاده في أمريكا اللاتينية، ومن المتوقع أن يزور ريو دي جانيرو في يوليو المقبل للمشاركة في قمة مجموعة "بريكس"، التي تأسست بمبادرة من كل من البرازيل وروسيا والهند والصين.
في المقابل، كانت زيارة الرئيس جو بايدن الوحيدة إلى البرازيل لحضور قمة العشرين، وجاءت بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرًا على تراجع الأولوية الاستراتيجية الأمريكية للقارة.
وفي السياق، يقول بيرج: "نحن أقرب جغرافيًا، لكن وتيرة زياراتنا رفيعة المستوى إلى المنطقة أقل بكثير من الصين. هذا بحاجة إلى تغيير، وربما يتم مع وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو، الذي يتمتع بخبرة ومعرفة بالمنطقة".
أما، البروفيسور دوسيل بيترز، مؤلف كتاب "أمريكا اللاتينية والصين ومنافسة القوى العظمى" يرى، أن "النخب المكسيكية والحكومة ممزقة في هذه العلاقة الثلاثية الجديدة" مع الولايات المتحدة والصين. وأضاف: "لكن هذا لن يكون كافيًا للمكسيك، بالنظر إلى الوجود الصيني الهائل في المكسيك".