في عالم الفن، تمر أحيانا أصوات تترك أثرًا عابرًا، وأصوات أخرى تبقى خالدة في الذاكرة، لا يشبهها أحد ولا تتكرر بسهولة، وهكذا كانت الفنانة المصرية عفاف راضي، صاحبة الصوت الرقيق، والحضور الهادئ، والموهبة المتفردة، التي لخّصها المخرج القدير السيد راضي بكلمات وصفتها بأنها "شخصية هادئة جدًا، لكن ليست منطوية، بها صفات فتاة الريف.. الطيبة التي تخجل ولا تحب إحراج الآخرين".
عفاف راضي المولودة في مثل هذا اليوم (12 مايو 1954) في أسرة محبة للفن، ظهرت موهبتها في سن العاشرة، لتلتحق مبكرًا بمعهد الكونسرفتوار، حيث درست الموسيقى الكلاسيكية والغناء الأوبرالي، ولم تكتف بموهبتها الصوتية الفذة، بل دعّمتها بالدراسة الأكاديمية حتى نالت درجة الماجستير والدكتوراة من أكاديمية الفنون.
في مرحلة دراستها الثانوية، التقت عفاف راضي الأخوين رحباني خلال زيارتهما لمعهد الكونسرفتوار، وأبديا إعجابهما بصوتها وعرضا عليها السفر إلى لبنان للمشاركة في أعمالهما، لكنها رفضت بسبب ارتباطها بوطنها ودراستها، ولكن لاحقًا، عادت لتتعاون معهما في مسرحية "الشخص" إلى جانب السيدة فيروز، رغم محاولاتها الأولى لرفض العرض، قائلة: "اتركوني، لا أريد الدخول في مقارنة مع جارة القمر"، لكنها وافقت في النهاية وقدمت عرضًا ناجحًا.
الملحن الكبير بليغ حمدي كان أحد أهم الداعمين لها، إذ قدّمها في حفل فني عام 1970 بحضور العندليب عبد الحليم حافظ، وهو ما كان بمثابة انطلاقتها الحقيقية.
وفي أحد اللقاءات التلفزيونية، كشف "بليغ" عن كواليس لقائه الأول بها، قائلًا: "منذ أن رأيتها وجدت أنها تقدم فنًا حقيقيًا. حتى عندما دخلت عالم السينما، رآها حسين كمال وسألني عن رأيي، وقلت له أثق في موهبتها".
بدأت عفاف مسيرتها بأجر ثابت قدره 50 جنيهًا لمدة خمس سنوات مع شركة صوت الفن، دون زيادة مهما بلغت شهرة الأغنية، إلى أن تحسّن أجرها تدريجيًا مع مرور الوقت، ليصل إلى 100 و200 جنيه، ورغم صعوبة تلك الفترة، قالت عنها في أحد البرامج التلفزيونية: "اعتبرت هذه المرحلة حجر أساس لمسيرتي".
لم تخل حياة عفاف راضي من المحطات المؤلمة، حيث فقدت والديها، ووصفت رحيلهما بأنه "فقدان للروح"، كما شكّل رحيل زوجها الدكتور كمال الدين عبد الرحيم فاجعة أليمة في حياتها، وعن تلك المواقف، قالت في لقاء متلفز: "لا يهمني حجم الأزمة، الأهم أن أتجاوزها، فأنا مؤمنة أن الله لا يتركني أبدًا".
قدّمت عفاف راضي عشرات الأغنيات التي علقت في أذهان الجميع، خاصة أغاني الأطفال التي صنعت بها بصمة خاصة، منها "سوسة سوسة"، "شمس الشموسة"، "حادي بادي"، "يا قطتي" وغيرها، وقدمت للمسرح مسرحيات "عصفور الجنة"، "دنيا البيانولا"، "نسمة سلام"، "لن تسقط القدس"، وفي السينما، كان فيلم "مولد يا دنيا" من أبرز أعمالها، إلى جانب مشاركتها في مسلسلات إذاعية وتلفزيونية، منها "زمن الحلم الضائع" و"حبي أنا" مع الملحن بليغ حمدي.