أعلنت الصين والولايات المتحدة الأمريكية، اليوم الاثنين، توصلهما إلى اتفاق بشأن الرسوم الجمركية، والذي أتى بأولى ثماره من خلال تعليق الجانبين لتعريفاتهما المتبادلة لمدة 90 يومًا.
وعلى الرغم من هذا الاتفاق، قد لا تعتزم الشركات الصينية الحيد عن نهجها في الاستغناء عن المكونات الأجنبية في العملية التصنيعية المحلية.
وفي هذا الصدد؛ كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن أكثر من 25 شركة صينية مُدرجة في بورصتي شنجهاي وشنتشن تُسارع في استبدال المكونات الأجنبية بأخرى محلية في سلاسل التوريد الخاصة بها، كرد مباشر على الرسوم الجمركية المرتفعة، التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصين مؤخرًا، ما يهدف لتجنب تداعيات الانفصال الاقتصادي المحتمل بين أكبر اقتصادين في العالم.
تسريع الاكتفاء الذاتي
وفقًا للوثائق المالية التي راجعتها "فايننشال تايمز" تتوزع الشركات الصينية المتأثرة بالحرب التجارية على قطاعات حيوية تشمل أشباه الموصلات والكيماويات والأجهزة الطبية، وتأتي هذه الخطوات ضمن إطار استراتيجي أوسع تتبناه بكين منذ سنوات لتحقيق الاكتفاء الذاتي الصناعي، خاصة من خلال مبادرة "صنع في الصين 2025" واستراتيجية "الدورة المزدوجة"، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج، وتسعى لتعزيز الاستقلال الاقتصادي مع الإبقاء على علاقات عالمية انتقائية.
الحرب التجارية
ترى كاميل بولينوا، المحللة في مجموعة روديوم، التي أعدت تقريرًا حديثًا عن برنامج "صنع في الصين 2025"، أن الرسوم الجمركية الأمريكية تضاعف من رغبة بكين في تعزيز الاكتفاء الذاتي للشركات الصينية.
وأوضحت بولينوا لصحيفة فايننشال تايمز: "إنهم يشعرون بالحاجة المُلحة لذلك. هذا سيكون إشارة لهم للتسريع قدر الإمكان".
وفي السياق ذاته، كشفت مصادر مطلعة للصحيفة البريطانية، أن المسؤولين الصينيين يرون في النزاع التجاري الحالي تأكيدًا لصحة سياسات الاعتماد على الذات، معتقدين أن "الصين يمكن أن تنجو الآن دون أي شيء من الولايات المتحدة أو الغرب، وهذا ما منح البلاد القوة لمقاومة المطالب التجارية لترامب".
نماذج ناجحة
تتجه الشركات الصينية بشكل متزايد نحو إزالة أي اعتماد على الموردين الأجانب، إذ صرّحت شركة "ثينكون سيميكونداكتور"، المزود لمواد السيليكون، مقرها لياونينج، بأنها تخطط للاستغناء عن الموردين الأجانب "لتعزيز مرونة المخاطر".
وأوضح أحد مديريها أن الشركة تعمل حاليًا على استبدال الكواشف الكيميائية، التي كانت تستوردها من اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا، مؤكدًا أنهم سيواصلون تقدم جهود التوطين لتجنب المزيد من المخاطر.
تعد شركة "إستون أوتوميشن"، إحدى الشركات الرائدة في صناعة الروبوتات الصناعية، مثالًا واضحًا على هذا التحول، إذ أعلنت في تقريرها السنوي الشهر الماضي، أنها نجحت في "الاستحواذ بسرعة على العملاء الرئيسيين الذين كانوا سابقًا يتعاملون مع العلامات التجارية الأجنبية"، إلى جانب تحسين سلسلة التوريد لديها لتعزيز الاستبدال المحلي للمواد الخام.
وصرّح أحد مديريها للصحيفة البريطانية، بأن زيادة التوطين "يخفض التكاليف"، موضحًا: "ليست مجرد الحرب التجارية - الاقتصاد العالمي بأكمله غير مستقر. نريد أن نكون قادرين ومستعدين لتبديل الموردين".
وأعلنت شركة "تشاينا هارزون إندستري كورب"، المملوكة للدولة والمتخصصة في صناعة معدات الطوارئ، خططها لزيادة حصة الموردين المحليين لاستبدال المكونات القليلة، التي ما زالت تستوردها من أمريكا الشمالية، رغم أنها كانت تتبنى سياسة "الترويج القوي للاستبدال المحلي" منذ سنوات.
وفي الإطار نفسه، كشف هي تشيشينج، المسؤول في شركة "هونان صاند تكنولوجيكال كورب" المصنعة للمحامل، للفاينانشال تايمز، أن الرسوم الجمركية الانتقامية الصينية تدفع المصنعين إلى التخلي عن المحامل الأمريكية المستخدمة في توربينات البخار والغاز.
وقال: "إنهم يتواصلون معنا ويطلبون منا زيادة الإنتاج. في الوقت الحالي، الجميع يتحدث عن الاستبدال"، كما توقع أن يتحول العديد من العملاء بشكل نهائي على المدى الطويل، مشيرًا إلى أنها "ستكون عملية استبدال تدريجية".
تقييم غربي متباين
يرى محللون غربيون، كما نقلت صحيفة فايننشال تايمز، أن خطة "صنع في الصين 2025" التي أُطلقت عام 2015 كانت أحد الأسباب الرئيسية لإشعال الحرب التجارية، خلال فترة ترامب الأولى، بسبب تحديدها أهدافًا صريحة لهيمنة الشركات المحلية على القطاعات الاستراتيجية.
وحذّر تقرير حديث لغرفة التجارة الأوروبية في الصين من أن هذه السياسة، رغم نجاحها في صناعات مثل السيارات الكهربائية وبناء السفن ومعدات السكك الحديدية، شجعت أيضًا على استثمارات غير فعّالة وفائض في الطاقة الإنتاجية ببعض القطاعات، وأثارت توترات مع الشركاء التجاريين.
اتفاق تجاري
وذكر بيان مشترك لكل من الصين والولايات المتحدة، أن قرار تعليق الرسوم الجمركية المتبادلة، جاء عقب اجتماع رفيع المستوى بين الصين والولايات المتحدة حول الشؤون الاقتصادية والتجارية استمر لمدة يومين.
وأقر الجانبان بأهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة بالنسبة إلى البلدين والاقتصاد العالمي، وكذلك ضرورة بناء علاقات اقتصادية وتجارية مستدامة وطويلة الأمد ومتبادلة المنفعة.
وبحسب تصريحات مسؤولين، خلال مؤتمر صحفي، اليوم، سيتم خفض الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على معظم الواردات الصينية من إجمالي 145% إلى 30%، بما في ذلك النسبة المرتبطة بالفنتانيل، بحلول 14 مايو.
في المقابل، ستحفض الصين رسومها الجمركية على السلع الأمريكية من 125% إلى 10%.
وقال وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، عقب محادثاته مع مسؤولين صينيين في جنيف، إن الجانبين توصلا إلى اتفاق لتعليق إجراءات لمدة 90 يومًا، مضيفًا أن الرسوم الجمركية المضادة ستنخفض 115%.
ومن المقرر أن يدخل قرار التعليق حيز التنفيذ، بحلول 14 مايو، بحسب البيان، الذي أدى إلى ارتفاع أسهم بورصة هونج كونج بأكثر من 3% بعد الإعلان.