الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المعادن النادرة.. ورقة الصين الرابحة في الحرب التجارية مع ترامب

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الصيني شي جين بينج يزور مصنع لمعالجة العناصر الأرضية النادرة في غان تشو

القاهرة الإخبارية - محمود غراب

تمتلك الصين ورقة رابحة في الحرب التجارية المشتعلة حاليًا مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي سيطرة بكين على استخراج وتصدير "المعادن النادرة" المستخدمة في تشغيل كل شيء، من هواتف آيفون إلى السيارات الكهربائية، وتعد مكونات أساسية لأنواع التكنولوجيا المتقدمة التي ستحدد ملامح المستقبل.

والمعادن النادرة هي مجموعة من 17 عنصرًا، وهي أكثر وفرة من الذهب، ويمكن العثور عليها في العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلا أن استخراجها ومعالجتها صعب ومكلف، وفق شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، التي ذكرت إن هيمنة الصين على سلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة برزت كإحدى أقوى أدواتها في حربها التجارية المتجددة مع رئيس الولايات المتحدة.

وقالت الشبكة، إنه على النقيض من الرسوم الجمركية، هذه الجبهة لا تتيح لترامب سوى مساحة ضئيلة للرد بالمثل، ولعقود، اعتمدت الولايات المتحدة ودول أخرى على إمدادات بكين من هذه المعادن المعالجة.

وتمثل الصين 61% من الإنتاج العالمي من المعادن الأرضية النادرة المستخرجة من المناجم، لكن سيطرتها على مرحلة المعالجة تمثل 92% من الإنتاج العالمي، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.

وفي الرابع من أبريل، وبعد سنوات من التحذيرات المبطنة، فرضت الحكومة الصينية قيودًا على تصدير 7 أنواع من معادن الأرض النادرة، ردًا على الرسوم الجمركية "التبادلية" التي فرضها ترامب على السلع الصينية بنسبة 34%، وتلزم القواعد الجديدة جميع الشركات بالحصول على إذن حكومي لتصدير المعادن السبعة، إضافة إلى المنتجات المرتبطة بها، مثل المغناطيس.

وتمكن المغناطيسات المصنوعة من معادن أرضية نادرة من تصنيع محركات ومولدات أصغر حجمًا وأكثر كفاءة، وتستخدم في الهواتف الذكية، ومحركات السيارات والطائرات النفاثة، وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، كما أنها مكونات أساسية في مجموعة من الأسلحة باهظة الثمن، من طائرات الشبح المقاتلة إف-35 إلى الغواصات الهجومية، التي تعمل بالطاقة النووية.

وأمس الثلاثاء، أمر ترامب بإجراء تحقيق في الرسوم الجمركية المحتملة على المعادن الأساسية، وهي فئة أوسع من الموارد، التي تشمل العناصر الأرضية النادرة، لتقييم تأثير هذه الواردات على أمن أمريكا وقدرتها على الصمود.

وقال ترامب في أمر تنفيذي: "إن اعتماد الولايات المتحدة على الواردات وضعف سلاسل التوريد لدينا يزيد من احتمالية المخاطر على الأمن القومي والاستعداد الدفاعي واستقرار الأسعار والازدهار الاقتصادي والمرونة".

منذ إدارة ترامب الأولى، تسعى الولايات المتحدة جاهدة لمواكبة ركب الدول الأخرى وبناء سلسلة توريد محلية للمعادن النادرة. 

وأفادت ثلاث شركات أمريكية متخصصة في صناعة المعادن النادرة لـ"سي إن إن"، بأنها بصدد توسيع قدراتها الإنتاجية وتوريد المواد من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، لكن هذه الجهود ستستغرق سنوات لتلبية الطلب الهائل من الصناعات الأمريكية الرئيسية.

وفي الوقت الحالي، بدأ تأثير ضوابط التصدير التي فرضتها بكين يظهر على أرض الواقع بسرعة. وصرّح جون أورميرود، مؤسس شركة "جوك" الاستشارية لمغناطيسات المعادن الأرضية النادرة، لـ"سي إن إن"، بأن شحنات مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة التابعة لخمس شركات أمريكية وأوروبية على الأقل قد توقفت في الصين منذ فرض الأمر.

وقال جوشوا بالارد، الرئيس التنفيذي لشركة USA Rare Earth، إن ضوابط التصدير تُركز على المعادن النادرة "الثقيلة"، التي تسيطر عليها الصين بنسبة 98%. 

وأضاف أن هذا يعني أن على الشركات الآن الحصول على موافقة بكين لتوريد هذه المواد الحيوية إلى الصناعات الأمريكية الرئيسية.

وقال توماس كرومر، مدير شركة "جينجر" للتجارة والاستثمار الدولية، المتخصصة في سلسلة توريد المعادن والفلزات ومقرها سنغافورة، إن ضوابط التصدير لا تستهدف المواد الفردية فحسب، بل تشمل أيضًا السبائك والمنتجات، التي تحتوي على عناصرها، حتى بكميات ضئيلة. 

وأضاف: "يخضع الكثير من الصادرات الآن لنظام التراخيص هذا"، مشيرًا إلى أنه من المتوقع حدوث بعض التأخيرات في أثناء تعامل المصدرين مع النظام الجديد.

وتجدر الإشارة إلى أن الصين بدأت مبكرًا استخراج المعادن الأرضية النادرة، بدءًا من خمسينيات القرن الماضي، وفقًا لوسائل الإعلام الرسمية، إلا أن هذه الصناعة لم تبدأ بالتطور الفعلي إلا في أواخر سبعينيات القرن الماضي.

وخلال تلك الفترة، جمعت الصين بين انخفاض تكاليف العمالة والمعايير البيئية المتساهلة نسبيًا وتبني التقنيات الأجنبية، وفقًا لستان تراوت، مؤسس شركة "سبونتانيوس ماتيريالز" للاستشارات في مجال المعادن الأرضية النادرة والمواد المغناطيسية، الذي قال إن "كثيرًا من التكنولوجيا التي جلبوها تم تطويرها هنا في الولايات المتحدة، أو اليابان أو أوروبا. ومع مرور الوقت، أنا متأكد من أنهم أدخلوا تحسينات عليها".

مع ازدياد إنتاج البلاد من المعادن الأرضية النادرة، أدركت بكين تدريجيًا الأهمية الاستراتيجية لهذه المعادن. 

وأضاف تراوت: "أدركوا أن هذه التكنولوجيا قد تكون بالغة الأهمية بالنسبة لهم، ويجب عليهم إتقانها".

وفي الفترة ما بين عامي 2020 و2023، اعتمدت الولايات المتحدة على الصين في 70% من وارداتها من جميع المركبات والمعادن الأرضية النادرة، وفقًا لتقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية هذا العام.

ويقول خبراء ومطلعون على الصناعة إن ضوابط التصدير الصينية لم تترك لبقية العالم سوى بدائل محدودة للغاية، لكن الولايات المتحدة تعمل على سد هذه الفجوة.

ومنذ عام 2020، خصصت وزارة الدفاع الأمريكية أكثر من 439 مليون دولار أمريكي لإنشاء سلاسل توريد محلية للعناصر الأرضية النادرة. 

وحددت هدفًا يتمثل في تطوير سلسلة توريد مستدامة، من المناجم إلى المغناطيس، قادرة على تلبية جميع متطلبات الدفاع الأمريكية، بحلول عام 2027.

وترى بعض الشركات الأمريكية أن ضوابط التصدير الصينية تشكل فرصة لتسريع الإنتاج المحلي والدفع نحو سلسلة توريد أقوى خارج الصين.

وتحرز الشركات الأمريكية تقدمًا في أجزاء من سلسلة التوريد أيضًا. تبني الشركة الأمريكية لمعادن النادرة "يو إس إيه رير إيرث" مصنعًا للمغناطيس في تكساس، بهدف إنتاج 5000 طن من مغناطيسات المعادن النادرة سنويًا، كما تمتلك الشركة منجمًا غنيًا بالمعادن النادرة الثقيلة في غرب تكساس، بما في ذلك جميع المعادن المدرجة في أحدث قائمة صينية لمراقبة الصادرات، لكن الشركة الأمريكية لا تزال تعمل على تكنولوجيا المعالجة لاستخراج المعادن من الصخور.