مع علو دوي الانفجارات على الخطابات الدبلوماسية، يصبح الحديث عن "وقف إطلاق النار" أقرب إلى رجع صدى الأمنيات، ففي لحظةٍ بدا فيها أن الصراع بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان، يسير نحو نقطة اللاعودة، جاء إعلان مفاجئ لوقف إطلاق النار بوساطة أمريكية، مشوبٌ ببارقة أمل، لكنه محاط بسُحب من الشكوك والانتهاكات.
أعلنت كل من الهند وباكستان، أمس السبت، عن اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد ضغوط ومفاوضات مكثفة قادتها الإدارة الأمريكية، وجاء الاتفاق إثر اشتباكات متصاعدة دامت أربعة أيام على طول خط السيطرة في إقليم كشمير المتنازع عليه، ما هدّد بتحول النزاع إلى حرب شاملة بين دولتين نوويتين.
وبعد ساعات فقط من إعلان الهدنة، عادت مشاهد القصف والانفجارات في مدن كشمي، خصوصًا سريناجار وجامو، حسبما أفادت السلطات المحلية وشهود عيان تحدثوا إلى "رويترز".
دور أمريكي مفاجئ
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان أول من أعلن عن وقف إطلاق النار، وذلك من خلال منشور على منصة "تروث سوشيال"، قال فيه: "بعد ليلة طويلة من المحادثات بوساطة الولايات المتحدة، يسرني أن أعلن أن الهند وباكستان اتفقتا على وقف إطلاق نار كامل وفوري.. أهنئ كلا البلدين على استخدام المنطق السليم والذكاء العالي".
وقاد وساطة وقف إطلاق النار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونائب الرئيس جيه دي فانس، اللذان أجريا اتصالات مكثفة مع رئيسي وزراء البلدين، ناريندرا مودي وشهباز شريف، إلى جانب مسؤولين كبار.
نائب رئيس الوزراء الباكستاني ووزير الخارجية، إسحاق دار، أكد الاتفاق عبر منشور على موقع "إكس" معلنًا دخوله حيز التنفيذ "بأثر فوري".
ومن الجانب الهندي، أعلن وزير الخارجية فيكرام ميسري أن قادة العمليات العسكرية من الجانبين تبادلوا الاتصالات ووافقوا على وقف جميع الأعمال العسكرية برًا وجوًا وبحرًا.
كما أشار "ميسري" إلى أنه سيتم استئناف الاتصالات بين كبار المسؤولين العسكريين في بعد غد الأحد (12 مايو)
انفجارات بعد الإعلان
غير أن تفاؤل اللحظة تبدّد سريعًا، ففي مساء اليوم نفسه، وردت تقارير عن انفجارات عنيفة وقذائف صاروخية سقطت في مدينة سريناجار، ما أثار الشكوك حول مدى قدرة الاتفاق على الصمود، وصرّح مصدر حكومي هندي صرّح لوكالة "فرانس برس" بأن "باكستان انتهكت وقف إطلاق النار"، بينما رد مسؤول أمني باكستاني بأن "الهند هي من بدأت الانتهاكات".
في مناطق مثل أوري وبونش في كشمير، شهد السكان لحظات من الأمل عقب إعلان وقف إطلاق النار، وقال المواطن تنوير تشالكو، 30 عامًا، من منطقة أوري، وفق "ذا جارديان": "عندما انتشر الخبر، بدأت العائلات النازحة في المخيمات ترقص فرحًا هذه خطوة عظيمة نحو السلام".
المشاعر كانت مختلطة لدى آخرين، إذ قال لال الدين، من سكان بونش، إن الخبر كان مرًّا: "شهدنا مثل هذا من قبل، وقف مؤقت بإشراف دولي، لكن من دون تسوية جادة، فإن الصراعات ستتكرر".
مسار تصعيدي
كانت شرارة التصعيد انطلقت الأربعاء الماضي حين نفذت الهند ضربات صاروخية ضد تسعة مواقع داخل باكستان، ما أسفر عن مقتل 31 شخصًا، كرد على هجوم سابق أودى بحياة 25 سائحًا هندوسيًا ومرشد سياحي في كشمير، واتهمت فيه الهند مسلحين مدعومين من باكستان.
واتهمت الهند لاحقًا باكستان بتنفيذ هجمات بطائرات مسيّرة على مدار ليلتين، وقالت إنها اعترضت أكثر من 400 طائرة مسيّرة استهدفت مدنًا وقواعد عسكرية.
في المقابل، أعلنت الهند شن غارات بطائرات مسيّرة استهدفت منشآت عسكرية في باكستان. وبحلول صباح السبت، تبادل الطرفان الاتهامات بإطلاق صواريخ بعيدة المدى على أهداف عسكرية.
اتهامات متبادلة
في مؤتمر صحفي، قالت المتحدثة باسم الجيش الهندي، العقيد صوفيا قريشي، إن باكستان هاجمت 26 موقعًا هنديًا، من بينها مطار باثانكوت العسكري ومطار سريناجار، إضافة إلى منشآت مدنية، وأكدت أن القوات الهندية "نجحت في تحييد هذه التهديدات".
على الجانب الآخر، قال المتحدث العسكري الباكستاني، الجنرال أحمد شريف شودري، في خطاب بثه التلفزيون الرسمي، إن الهند هي التي بادرت باستخدام الطائرات المقاتلة والصواريخ.
قال وزير الخارجية الهندي، سوبراهمانيام جايشانكار، إن بلاده "حافظت على موقف ثابت ضد الإرهاب"، فيما وصفت السيناتور الباكستانية شيري رحمن وقف إطلاق النار بأنه "انتصار للقيادة الوطنية".
لكن المراقبين، كما نقلت "الجارديان"، يرون أن الاتفاق أتاح لكل من الطرفين أن يعلن النصر أمام جمهوره الداخلي، في ظل صعود خطاب قومي في الهند، وضغوط اقتصادية متزايدة في باكستان.
تاريخ من النزاعات
لطالما شكلت كشمير بؤرة صراع مزمنة بين البلدين، حيث خاضتا أربع حروب منذ استقلالهما، آخرها عام 1999، ويخشى كثيرون من أن الانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار قد تُعيد إشعال فتيل حرب شاملة.
ربما كان إعلان وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان بادرة نادرة على طريق السلام، لكن دوي الانفجارات التي أعقبته جعلت منه اتفاقًا معلقًا في الهواء، وبينما تحتفل بعض العائلات الكشميرية بالعودة إلى منازلها، يستعد آخرون لجولة جديدة من النزاع.