وسط ركام الحرب وتحت وطأة الفقد، ينبثق الأمل على خشبة مسرح "عناد" في بيت لحم من خلال مسرحية "الخياط"، التي تجسّد حكاية رجل فلسطيني خسر زوجته ومنزله، ونزح ابنه الوحيد، لكنه ظل متمسكًا بمشغله الصغير ومهنته في خياطة فساتين الأعراس، وكأنها طقوس مقاومة لواقعٍ ينهش كل ما هو جميل.
"الخياط" ليس مجرد عمل فني، بل رسالة إنسانية تحمل في طياتها نداءً صارخًا من تحت الأنقاض، وتؤكد أن الصمود فعل مقاومة لا يقل شأنًا عن الكفاح المسلح.
قصة إنسانية
تتناول المسرحية، التي تُعرض على مسرح عناد، قصة خياط فلسطيني فقد كل شيء في عدوان عنيف، لكن الأمل في نجاة ابنه جعله يرفض مغادرة مشغله.
يمثل الابن "عماد" رمزًا للبقاء والاستمرار، في حين تتحول المخيطة إلى وطن صغير، وفساتين الأعراس إلى أكفان تجسّد مآسي الحرب والتهجير.
صرخة فنية ضد الحرب
الكاتب والممثل خالد المصو، مؤسس مسرح عناد، يؤكد لموقع "القاهرة الإخبارية" أن مسرحيته جاءت كرد فعل حتمي على العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، معبرًا بها عن معاناة غزة ورافضًا أن يكون مجرد مشاهد لحرب الإبادة.
ويضيف: "الشعب الفلسطيني عاش النكبة والنكسة وحروبًا متتالية، ومع بداية العدوان الأخير لم أتمكن من الصمت، فكتبت النص على مدار عام، محاولًا الابتعاد عن الشعارات وتقديم عمل يحرك ضمير الجمهور تجاه قضية إنسانية عادلة".
أصوات داخل النص
استعان "المصو" بالفنان الغزي كريم ستوم، ليضيف بُعدًا صوتيًا وتجريبيًا أكثر صدقًا للنص، إلى جانب التشاور مع زملاء فنانين ومخرج العمل.
وقال المصو: "ظل النص يتطور حتى ساعات قليلة قبل العرض، كنت أبحث عن حكاية إنسانية تلامس وجدان الجمهور، واخترت قصة خياط مؤمن بأن الفرح في غزة شكل من أشكال المقاومة".
الأب والوطن
يرى "المصو" أن شخصية الخياط ترمز في الوقت ذاته للأب والوطن، ويؤكد: "الفلسطيني يعشق الحياة وأسرته، لكن فقدان الأبناء هو الوجع الأعمق، وفقدان الوطن جريمة تاريخية لن تصمت عنها الأجيال القادمة".
وعن هدف العمل، يوضح: "المسرحية لا تسرد المأساة فقط، بل تُقدمها بقالب إنساني بعيدًا عن الخطابة، من أجل شحن مشاعر ووعي الجمهور تجاه القضية الفلسطينية".
تحديات الكتابة
يشير "المصو" إلى صعوبة الكتابة وسط ما تشهده غزة من دمار وقصص لا تنتهي من المآسي، مؤكدًا أن مشاركة كريم ستوم ساعدت كثيرًا في منح النص عمقًا حقيقيًا وأصالة نابعة من واقع حي.
مسرح عناد
تأسس مسرح عناد عام 1987 خلال الانتفاضة الأولى، وظل منذ ذلك الحين منبرًا فنيًا للمقاومة، وحول ذلك يقول المصو: "اخترنا اسم عناد لأننا نؤمن بأن رسالتنا لا تموت، وجعلنا من المسرح أداة للصمود من خلال عروض للأطفال والمجتمع، والمهرجانات، إضافة إلى البرامج التعليمية والتدريبية التي جعلت منه حاضنة ثقافية".
ويختم قائلًا: "عناد فكرة ستبقى طالما هناك طفل فلسطيني يحلم بوطن حر ومستقبل أفضل".
شخصية الابن مسؤولية إنسانية
الفنان عبد الله بنورة، الذي يؤدي دور ابن الخياط، وصف مشاركته في العمل بأنها "مسؤولية فنية وإنسانية" في ظل الظروف القاسية التي يعيشها أبناء وطنه، إذ يقول: "حرصت على أن أكون صوتًا للشباب الفلسطيني الذي يحلم رغم القهر، وأن أقدم الشخصية بروحها الحقيقية، لا مجرد أداء تمثيلي".
الصراع النفسي.. التحدي الأكبر
تحدث "بنورة" عن التحدي الأبرز في أداء دوره، قائلًا: "محاولة استحضار مشاعر الخوف والغضب والتمرد من واقع لم أعشه بالكامل كان أمرًا صعبًا، لكنني استمددت طاقة الشخصية من الواقع الفلسطيني".
ويضيف أن أكثر المشاهد تأثيرًا بالنسبة له كان مشهد التهديد بإخلاء المنزل، الذي شهد تحولًا جوهريًا في شخصية الابن الصامت الذي يبدأ أخيرًا في التعبير عن وجعه.
رسالة أمل
يرى "بنورة" أن الرسالة الأهم التي يسعى لإيصالها للجمهور هي تمسك الشباب الفلسطيني بهويته وأمله في المستقبل.
ويشيد بتجربته مع المخرج فراس أبو صباح، مؤكدًا أن التوجيه الجماعي والدقة في إدارة العمل ساهمت في إخراج الشخصية بأبعادها النفسية والإنسانية الكاملة.
المسرح الفلسطيني
يختم "بنورة" حديثه بتأكيد أن المسرح يحمل اليوم مسؤولية استثنائية، قائلًا: "هو صوت من لا صوت له، ورسالة تتجاوز حدود الخشبة لتصل إلى ضمائر العالم، تنقل وجعنا وأملنا، وتؤكد أن الحياة رغم الألم لا تزال ممكنة".