شهد عام 1987 إقامة مسرح يحمل اسم "عناد" في بيت جالا - تلك البلدة الفلسطينية في الضفة الغربية والتي تقع إلى الشمال الغربي من مدينة بيت لحم- ارتبط هذا المسرح في أذهان زوار المكان بأعياد الميلاد، إذ يبعد خطوات عن كنيسة المهد، حيث اعتاد مرتادو هذه المنطقة الذهاب إلى المسرح لمشاهدة عروضه الخاصة باحتفالات الكريسماس، خصوصًا أن من أبرز اهتمامات "عناد" مسرح الطفل.
هذا العام بات الوضع مختلفًا، فحينما تدخل من بوابة المسرح لا تجد سوى الهدوء، والملابس المخزنة على طول أروقتها، فالأضواء انطفأت والاحتفالات أُلغيت، فالوضع في غزة والمجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي يوميًا جعلت الجميع غير قادر على الاحتفال أمام مشاهد الأطفال والعجائز تحت الركام، فأي عروض يمكن أن تقدم وماذا يقدم الأطفال أمام ما يحدث في غزة؟..
كان المسرح في أيامه السابقة قبل اندلاع الحرب ومنذ نشأته يهتم بإنتاج الأعمال المسرحية للأطفال، ويجوب بها كل محافظات فلسطين من أجل نشر الوعي المسرحي بين الجيل الجديد وحقوق الأطفال، إضافة إلى تعليمهم المفاهيم الإنسانية، ولم يكتف فريق عمل المسرح بهذا الأمر فقط، بل كانوا حريصين على تعليم الدراما والمسرح في المدارس، بهدف متابعة قضايا واهتمامات الأطفال في تلك الفئة.
ما فعله القائمون على مسرح "عناد" برئاسة خالد الصو من جهود كان واضحًا، إذ استطاعوا جعل الأطفال مدركين ما يواجههم إنسانيًا واجتماعيًا، خصوصًا أنهم تناولوا موضوعات مسرحية بالأسرة والمرأة والمسنين وذوي الهمم.
المسرح الذي وصل منه صوت أطفال فلسطين إلى العالم كان يوفر لكل العاملين به مجموعة من الأبحاث والدراسات في مجال الدراما والمسرح لكي يتمكنوا من إيصال رسالتهم إلى الأطفال، واستطاع فريقه والأطفال المشاركون فيه أن يتواجدوا في عدد من المحافل الدولية ويجوبوا المخيمات الفلسطينية للتحدث عن مشكلاتهم ومعاناتهم.
"من قلب الانتفاضة والحروب يولد الفن، ليصبح السلاح في وجه العدوان والاحتلال" هذا الشعار الذي رفعه القائمون على المسرح، وهذه رسالتهم الذين حرصوا على أن يبثوها للأطفال ليؤمنوا بقضيتهم العادلة، وينطلقون منها إلى الحرية ونقل رسالتهم إلى العالم رغم الحصار الذين يعيشونه والذي يمنع عنهم كل سُبل الحياة.
ورغم الحصار في 2019 استطاع عرض "بائعة الكبريت" الذي أنتجه المسرح أن يحصد 4 جوائز من مهرجان مسرح الطفل العربي بالأردن وقالت وقتها المديرة التنفيذية لمسرح "عناد" سامية أبو حمود خلال تسلمها الجوائز كلمة مؤثرة جاء فيها:" رغم الحصار إلا أننا تمكنا من الوجود والمنافسة مع المشاركين في المهرجان وحصد الجوائز، وتمثيل دولة فلسطين، فنحن نعتبر أنفسنا من خلال المسرح ولدينا حق في الحياة ورفض الاحتلال".