وافقت المملكة المتحدة على شروط أمنية صارمة في صفقتها التجارية الجديدة مع الولايات المتحدة، تهدف بشكل أساسي إلى تقليص النفوذ الصيني في سلاسل التوريد الاستراتيجية، لا سيما في قطاعي الصلب والأدوية.
وكشفت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية أن الاتفاقية، التي تم التوصل إليها في غضون سبعة أسابيع فقط، تمثل نموذجًا قد تسعى واشنطن لتطبيقه مع شركائها التجاريين الآخرين، في خطوة تعكس استراتيجية أمريكية متصاعدة لعزل الصين في القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية.
إعفاءات مشروطة بمتطلبات أمنية
تنص الاتفاقية المبرمة بين واشنطن ولندن، وفقًا لما أوردته "فايننشيال تايمز"، على تقديم تخفيضات جمركية للقطاعات البريطانية الحيوية، بما في ذلك الصلب والألومنيوم والمستحضرات الصيدلانية، لكن هذه الإعفاءات مشروطة بالتزام بريطاني بالعمل الفوري على تلبية المتطلبات الأمريكية المتعلقة بأمن سلاسل التوريد و"ملكية مرافق الإنتاج ذات الصلة".
وبحسب النص الرسمي للاتفاقية المكون من خمس صفحات، ستعتمد الإعفاءات الجمركية للمنتجات البريطانية على ما يُعرف بتحقيقات المادة 232، وهي تحقيقات تجريها الإدارة الأمريكية لتحديد مدى تأثير الواردات المحددة على الأمن القومي الأمريكي.
وتشير الوثيقة إلى أن خطط الولايات المتحدة لتخفيض الرسوم الجمركية للمملكة المتحدة تستند إلى "أولويات الأمن القومي المشتركة" بين البلدين، بالإضافة إلى ما وصفته الاتفاقية بـ"العلاقة التجارية المتوازنة" بينهما.
استهداف غير معلن للصين
على الرغم من تأكيد المسؤولين البريطانيين أن شروط الاتفاقية تنطبق على جميع الدول الثالثة، إلا أنهم أقروا بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشارت بوضوح إلى أن الهدف المقصود هو الصين.
وفي هذا السياق، صرحت آلي رينيسون، المسؤولة السابقة في وزارة التجارة البريطانية والتي تعمل حاليًا في شركة SEC Newgate للاستشارات، لصحيفة "فايننشال تايمز" قائلة: "تريد واشنطن من المملكة المتحدة ودول أخرى كشف أوراقها والابتعاد تدريجيًا عن التجارة والاستثمار الصيني، خاصة في المجالات الحساسة مثل صناعة الصلب".
وأضافت "رينيسون" أن هذه المطالب الأمريكية تأتي ضمن اتجاه متصاعد، مشيرة إلى أن إدارة الرئيس السابق جو بايدن كانت طالبت بالاطلاع على تدقيق المملكة المتحدة لشركة صلب مملوكة للصين قبل رفع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب سابقًا على الصلب.
وتوقعت رينيسون أن ترد بكين بشكل ما إذا ألزم الاتفاق النهائي بين لندن وواشنطن بريطانيا بمواءمة سياساتها التجارية مع النهج الأمريكي تجاه الصين.
جدل داخل بريطانيا
وأثارت الاتفاقية التجارية جدلًا سياسيًا في بريطانيا، إذ وجهت المعارضة المحافظة اتهامات للحكومة العمالية بأن الصفقة تمنح واشنطن حق النقض "فيتو" على سلاسل التوريد البريطانية، وهو ما نفته الحكومة البريطانية بشدة، واصفة هذه الادعاءات بأنها "هراء تام".
وقال دارين جونز، السكرتير الرئيسي للخزانة البريطانية، في تصريحات لإذاعة "تايمز راديو" نقلتها "فايننشيال تايمز": "لا يوجد شيء اسمه حق نقض على الاستثمار الصيني في هذه الاتفاقية التجارية، ليس هذا ما تدور حوله الصفقة".
فيما أوضح مسؤول بريطاني آخر، أن "الولايات المتحدة لا تريد -بالنظر إلى أن المملكة المتحدة ستفرض تعريفات جمركية أقل بكثير من بقية العالم- أن تصبح بريطانيا مكاناً يمكن للدول أو الشركات من خلاله التحايل على قواعدها عبر الصادرات البريطانية إلى الولايات المتحدة، وسيتم العمل على تفاصيل ذلك".
نموذج لاتفاقيات مستقبلية
يرى سام لو، الخبير التجاري في شركة فلينت جلوبال للاستشارات، أن الاتفاقية الأمريكية البريطانية قد تكون نموذجًا لاتفاقيات أخرى، وقال لصحيفة "فايننشيال تايمز": "أتوقع أن نرى شروطًا مماثلة في صفقات أخرى، خاصة مع مراكز التصدير في جنوب شرق آسيا مثل فيتنام وكمبوديا".
في المقابل، أبدى كبار المسؤولين التجاريين في الاتحاد الأوروبي قلقهم من تداعيات هذه الاتفاقية على مفاوضاتهم الخاصة مع واشنطن.
وكشف مسؤولان أوروبيان مشاركان في المفاوضات مع إدارة ترامب للصحيفة البريطانية أن الاتحاد الأوروبي سيواجه صعوبة في تكرار عناصر الأمن الاقتصادي المماثلة، موضحين: "لا يوجد توافق حول كيفية التعامل مع الصين" بين الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد.