يعتزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيارة السعودية والإمارات وقطر خلال الفترة من 13 إلى 16 مايو 2025، في أول زيارة له للشرق الأوسط منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية في يناير 2025. وتهدف هذه الزيارة إلى تعزيز العلاقات مع دول الخليج، مع التركيز على الاستثمارات الأجنبية، وإنهاء الصراع في الشرق الأوسط، ومتابعة الجهود المبذولة لوقف الحرب في أوكرانيا. وفيما يتعلق بإسرائيل، فقد أعلن ترامب أنه لا يخطط لزيارة الدولة العبرية خلال تلك الزيارة، رغم انتشار شائعات حول إمكانية إضافة إسرائيل إلى جدول الزيارة. فقد أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن ترامب سيزور السعودية وقطر والإمارات فقط في هذه الجولة.
في هذا السياق، تُثار العديد من التساؤلات مثل: ما الأهداف التي دفعت بترامب إلى القيام بزيارة المنطقة وفي هذا التوقيت؟ ما الذي تريده الدول الخليجية وتحديدًا المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر من ترامب؟ ما التأثيرات الإقليمية والعالمية المحتملة لهذه الزيارة؟
أهداف ترامب
تهدف الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكل من السعودية والإمارات وقطر، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. ويمكن تحديد ما يريده ترامب من هذه الزيارة فيما يلي:
(*) تعزيز العلاقات الأمريكية الخليجية: يسعى ترامب لإعادة بناء الثقة مع حلفاء واشنطن التقليديين في الخليج بعد فترات من التوتر والتقلب في السياسات الأمريكية، ويريد ترامب أن يظهر أن الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادته عادت لتكون شريكًا موثوقًا.
(*) زيادة تدفق الاستثمارات الخليجية للولايات المتحدة الأمريكية: من المتوقع أن يركز ترامب على عقد صفقات اقتصادية ضخمة، وجذب استثمارات خليجية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصًا في البنية التحتية والطاقة، فترامب معروف بربطه السياسة بالاقتصاد والصفقات. الجدير بالذكر هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تُعد الوجهة المفضلة للاستثمارات الخليجية، متفوقة على الصين التي تمثل جزءًا أصغر من محفظات صناديق الاستثمار في الدول الخليجية.
(*) تقليل النفوذ الإيراني في إقليم الشرق الأوسط: ينظر ترامب إلى إيران كتهديد رئيسي للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الإقليم، وبالتالي فهو يسعى لتوحيد موقف خليجي أكثر تشددًا تجاه طهران، وقد يعرض دعمًا أمريكيًا أكبر في هذا السياق.
(*) تعزيز جهود الوساطة الأمريكية للدفع باتفاق لوقف إطلاق النار في غزة: يريد ترامب أن تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دور أكبر كوسيط لوقف إطلاق النار في غزة سواء بالتعاون مع السعودية (عبر ورقة التطبيع مع إسرائيل)، أو قطر التي تقوم مع مصر بنفس الدور. فقد زار مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، السعودية في وقت سابق، حيث التقى بولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمناقشة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
(*) تعزيز صورة ترامب داخل الولايات المتحدة: تتيح هذه الزيارة لترامب الظهور بمظهر "رجل الدولة العالمي"، فهو يريد أن يُظهر أن لديه القدرة على إعادة ترتيب ملفات السياسة الخارجية الأمريكية لصالح بلاده.
أهداف خليجية مختلفة ومصالح مشتركة
سوف تستقبل الدول الثلاث، السعودية والإمارات وقطر، زيارة ترامب ولكل منها أهداف استراتيجية خاصة بها، لكنها تتقاطع في بعض المصالح، خصوصًا المتعلقة بالضمانات الأمنية والاستثمارية والعلاقات مع واشنطن. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
(*) الأهداف السعودية: تستهدف المملكة العربية السعودية الحصول على المزيد من الضمانات الأمنية والدفاعية الأمريكية خاصة في ظل تزايد الأخطار في المنطقة، لذلك قد تسعى السعودية، خلال زيارة ترامب المرتقبة، لتجديد أو تعزيز التزام واشنطن بحمايتها من التهديدات الإقليمية، خصوصًا من إيران والحوثيين. وكذلك قد تسعى المملكة للحصول على دعم ترامب لموقف السعودية الرافض لامتلاك إيران قدرات نووية، وقد يتم التطرق إلى موضوع لتطبيع المشروط مع إسرائيل، فقد تستخدم المملكة زيارة ترامب لاستكشاف فرص تطبيع تدريجي مع إسرائيل، مقابل مكاسب ملموسة (مثل صفقة دفاعية أو دعم في الملف الفلسطيني). هذا فضلا عن أهمية دعم ترامب لـ "رؤية 2030" التي تتبناها المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي من شأنه سعي المملكة لجذب استثمارات أمريكية في مشاريع اقتصادية ضخمة لتحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع مثل مشروع نيوم.
(*) الأهداف الإماراتية: تستهدف الإمارات العربية المتحدة تعزيز الشراكة العسكرية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية. فالإمارات ترى في ترامب شريكًا أكثر وضوحًا في المواقف الإقليمية، وتريد منه ضمانات أكثر لتعزيز التعاون الدفاعي والتكنولوجي، فضلا عن رغبة الإمارات في احتواء النفوذ الإيراني لتحجيم التمدد الإقليمي لإيران من خلال تحالفات قوية مع واشنطن.
(*) الأهداف القطرية: تسعى قطر إلى ترسيخ مكانتها كوسيط دبلوماسي، فقطر تريد تعزيز دورها في الوساطة، خاصة في ملف غزة، كجزء من نفوذها الناعم. بالإضافة إلى الحصول على المزيد من الضمانات الأمنية، فرغم استضافتها لقاعدة العديد، إلا أن قطر تريد علاقات أكثر توازنًا مع ترامب. وتسعى قطر كذلك لتقوية علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، وجذب اهتمام إدارة ترامب بمشاريعها التنموية.
بوجه عام، تريد الدول الثلاث من ترامب، تعزيز حماية أمنها القومي، ودعم مواقفها الإقليمية، وضمان استمرار الشراكة الاقتصادية والتكنولوجية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ما المُنتظَر من زيارة ترامب المرتقبة؟
في ضوء الأهداف التي يسعى إليها كل من ترامب والدول الثلاث (السعودية، الإمارات، وقطر)، يُنتظر من هذه الزيارة أن تُحدث بعض التغيير في عدد من الملفات الإقليمية والدولية التي يمكن تحديدها فيما يلي:
(*) إعادة تموضع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة: يتوقع أن تظهر واشنطن كفاعل رئيسي مرة أخرى في الشرق الأوسط بعد فترة من الانكفاء النسبي خلال إدارة بايدن، فقد تمثل هذه الزيارة إعلان عودة النفوذ الأمريكي للمنطقة بقوة بقيادة ترامب.
(*) إبرام صفقات واستثمارات ضخمة متبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الخليجية:يُرجح أن تُعلن اتفاقيات اقتصادية أو تفاهمات بمليارات الدولارات في مجالات: الدفاع، والطاقة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية. وتُعد هذه الصفقات مكاسب مشتركة لكل الأطراف، وتخدم أجندة ترامب "الصفقية"التي توظف السياسة لصالح إبرام الصفقات الاقتصادية.
(*) الدفع بملف غزة نحو تهدئة مؤقتة: قد تسفر الزيارة عن اتفاق مبدئي أو إطار عام لوقف إطلاق النار في غزة، بوساطة عربية وغطاء أمريكي، فقد تسفر الزيارة عن ضغط أمريكي مباشر لوقف إطلاق النار، بمساعدة قطر والسعودية، مقابل ضمانات إسرائيلية ومساعدات إنسانية.
(*) دعم مسار التطبيع بين العرب وإسرائيل: رغم أن السعودية لم تعلن نية التطبيع المباشر مع إسرائيل، إلا أن زيارة ترامب قد تُمهد لخطوات غير رسمية يضغط ترامب في اتخاذها، مثل: فتح خطوط تواصل دبلوماسية غير معلنة بين السعودية وإسرائيل، ودعم تطبيع دول أخرى في المنطقة مع إسرائيل.
(*) التأثير على مسار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية: قد تؤثر زيارة ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات على حد كبير على مسار المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، خاصة في الملفات محل الاهتمام الخليجي مثل تلك المرتبطة بامتلاك إيران قدرات نووية، النفوذ الإقليمي لإيران، والعقوبات الأمريكية على إيران.
(*) تعزيز الدور الخليجي كوسيط دولي: قد يشجع ترامب الدول الخليجية الثلاث خاصة السعودية على مواصلة دورها الوسيط، لا سيما بعد استضافتها محادثات غير رسمية بين ممثلين من كييف وموسكو، وقد يؤدي هذا إلى مزيد من الانخراط الخليجي في الملف الأوكراني، وربما تسهيل جولات قادمة للمفاوضات أو اتفاقات لتبادل الأسرى، أو تأمين الحبوب والطاقة.
وفي النهاية، يمكن القول إنه من المتوقع أن تركز المحادثات خلال زيارة ترامب لكل من السعودية والإمارات وقطر الأسبوع المقبل، على تعزيز التعاون الاقتصادي، خاصة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، بالإضافة إلى مناقشة بعض القضايا الإقليمية الحيوية في الوقت الراهن مثل: الحرب في غزة، والجهود المبذولة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، والملف النووي الإيراني. ففي ظل تصاعد المخاطر في المنطقة، فإن زيارة ترامب المرتقبة للمنطقة تهدف إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والدول الخليجية الثلاث، مع التركيز على القضايا الاقتصادية والأمنية. وقد يكون لهذه المحادثات تأثيرات عديدة على الصعيدين الإقليمي والدولي في ظل ما تمر به المنطقة والعالم من أزمات، فعلى ما يبدو أن هذه الزيارة قد تُعيد تشكيل خطوط التحالفات في الشرق الأوسط، وتُمهد لمرحلة جديدة من الأدوار والتوازنات الإقليمية، لكنها لن تقلل المخاطر أو تحل الأزمات الكبرى بشكل جذري، فقد تدفعها نحو مزيد من التهدئة التكتيكية فقط.