الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المخرجة المغربية سلوى الكوني: قصة "الجرح" مستوحاة من تجارب حقيقية

  • مشاركة :
post-title
فيلم "الجرح"

القاهرة الإخبارية - محمد عبد المنعم

الفيلم يدعو للتعاطف مع كل امرأة تحاول أن تصنع مسارها الخاص

التحدي الأكبر الذي واجهنا تجنب الوقوع في فخ الرتابة الدرامية

ــ العرض في "بيروت لسينما المرأة" يُشكل مساحة حقيقية للحوار

شهدت فعاليات مهرجان بيروت لسينما المرأة، الذي انقضت نسخته الـ 8، أمس الأول، العرض العربي الأول للفيلم المغربي "الجرح" للمخرجة سلوى الكوني، بعد جولة ناجحة في عدد من المهرجانات الدولية.

الفيلم يقدم دراما إنسانية تتناول الصراع الداخلي للمرأة بين رغباتها الفردية وضغوط المجتمع، من خلال قصة "ليلى"، الشابة المغربية التي تسعى لتحقيق طموحاتها رغم القيود الاجتماعية والثقافية.

وحاور موقع "القاهرة الإخبارية" مخرج العمل سلوى الكوني، التي حكت لنا كواليس "الجرح" الذي يُعد أولى تجاربها الإخراجية، وتحدياته ومدى تقاطع تلك القصة مع حكايات شخصية للمخرجة.

"الجرح" أول تجربة.. ما الذي دفعكِ لاختيار هذه القصة كبداية لمسيرتك الإخراجية؟

اختيار هذه القصة لم يكن محض صدفة، بل جاء نتيجة شعور داخلي عميق بأن هذه الحكاية بالذات تستحق أن تكون بداية الرحلة، في عالم يشهد تحولات متسارعة، والمغرب في صميم هذا التغيير، إذ وجدنا أنفسنا نعيش لحظة تلاقٍ نادرة بين ما يدور في الواقع وبين ما نحمله من رؤية سينمائية، فتطوّر مشروع "الجرح" تزامن مع هذا الحراك المجتمعي، وكان لا بد أن تكون هذه القصة هي أولى خطواتنا في عالم الإخراج، قصة تنبض بالواقع، وتطرح الأسئلة، وتُسهم في فتح مساحات جديدة للحوار، وشعرنا بمسؤولية مزدوجة بين المخرج الذي يخطو خطوته الأولى، والفنان الذي يريد أن يعبر عن روح المرحلة، ويكون لصوته مكان داخل المشهد الثقافي المغربي.

كيف كانت رحلتكِ في الانتقال من العمل في هوليوود إلى إخراج فيلم يعالج قضايا مجتمعية في المغرب؟

خبرتي كمسؤولة إنتاج في مشروعات سينمائية دولية على مدى أكثر من عشر سنوات كانت بمثابة الأرضية الصلبة التي انطلقت منها، إذ سعينا إلى خلق مساحة إبداعية مستقلة نعبر فيها عن رؤيتنا، ونروي من خلالها قصصًا تنبع من واقعنا وتحاكي نبض المجتمع المغربي، كما كان الدافع الأسمى تقديم موضوعات حقيقية، قريبة من الناس، تعكس همومهم وتفتح باب التأمل والحوار، بعيدًا عن الصور النمطية أو الروايات المستوردة، وبالتالي كان الهدف واضحًا وهو تسليط الضوء على قضايا تلامس المجتمع المغربي، وأن نعبّر عن موضوعات تشبهنا، يعيشها كل مغربي ويشعر بها وتحاكي يومياته بروح صادقة.

الفيلم يعرض صراع المرأة مع التقاليد.. ما مدى تقاطع هذه القصة مع تجارب شخصية أو حقيقية من الواقع المغربي؟

هذه القصة مستوحاة من تجارب حقيقية رأيناها وعشناها عن قرب، سواء من خلال نساء نعرفهن شخصيًا، ومن خلال مشاهداتنا اليومية في المجتمع العربي، الإفريقي وحتى الغربي.

قصة "ليلى" ليست مجرد سرد خيالي، بل تنبثق من واقع نعيشه ونراه من حولنا كل يوم، هي شابة عادية مثل كل الشابات في عمرها تحمل في داخلها صراعًا داخليًا عميقًا بين أحلامها الفردية والتقاليد المجتمعية التي تحاول رسم حدود لها، وما مرت به ليلى يعكس واقع الكثير من النساء اليوم، نساء لديهن طموحات مشروعة، لكن يواجهن ضغوطًا وتوقعات تجعل من تحقيق الذات معركة صامتة، فمن خلال هذه القصة، أردنا أن نفتح نافذة للتأمل، وأن ندعو إلى تعاطف أعمق مع كل امرأة تحاول أن تصنع مسارها الخاص.

ما أبرز التحديات التي واجهتكِ في العمل؟

إلى جانب التحديات المعتادة في الإنتاج والإخراج، كان التحدي الأكبر الذي واجهنا هو تجنب الوقوع في فخ الرتابة الدرامية، ولم نرد أن نغرق في وتيرة سرد بطيئة قد تفقد القصة ديناميكيتها، لذلك كان علينا أن نبحث دائمًا عن طرق جديدة للموازنة بين العمق العاطفي والحفاظ على إيقاع قوي يظل مشوقًا ومؤثرًا طوال الفيلم، الذي تدور أحداثه خلال 155 دقيقة، وهي مدة طويلة نسبيًا.

كيف حافظتِ على توازن الإيقاع الدرامي وجذب انتباه الجمهور؟

هنا تتجلى فعليًا ثمار انتقالي من عالم الإنتاجات الهوليوودية إلى "الجرح"، في هيكل الإنتاج الذي اعتمدناه، لم يكن كاتب السيناريو عنصرًا تقنيًا، بل كان يشغل دور المايسترو الذي يعمل خلف الكواليس لضمان انسجام الديناميكية السردية مع الرؤية الإخراجية، ولذلك كنا محظوظين بانخراط الكتاب في كل مراحل العمل، حتى في أثناء التصوير، ما سمح لنا بالحفاظ على خط إبداعي موحد منذ ولادة الفكرة وحتى لحظة اكتمال الفيلم، فوجود فريق إبداعي متكامل ومتناغم من البداية وحتى النهاية كان عاملًا حاسمًا في نجاح المشروع.

كيف تم اختيار مواقع التصوير وهل واجهتِ صعوبات لوجستية في المغرب؟

الدار البيضاء تُعد من أكثر المدن سحرًا وتنوعًا بصريًا في العالم، وشكلت بتناقضها الجميل بين الحداثة والإرث الثقافي الخلفية المثالية لقصتنا، هذه المدينة لا تكتفي بتقديم مشاهد آسرة، بل تحمل روحًا تعكس تمامًا الحالة النفسية والاجتماعية لشخصيات الفيلم، أما على المستوى الإنتاجي، فأسهم النظام السينمائي المتطور الذي تتميز به المملكة المغربية بشكل كبير في إنجاح عملية التصوير، بفضل البنية التحتية المتقدمة، والتسهيلات المتوفرة، وكفاءة الطواقم المحلية.

تعاونتِ مع فريق مغربي في الكتابة والإنتاج.. كيف أثر في صياغة الفيلم؟

فريق الكتابة لدينا، الذي ضم طه وبراين وبريس، يتكون بالكامل من مغاربة، وهو ما ساعد في الحفاظ على أصالة القصة وجعلها أكثر ارتباطًا بالواقع المحلي، أما من الناحية الإنتاجية، فأضاف التنوع الثقافي والخبرات التقنية المختلفة أبعادًا ثرية للقصة، وجعلها أكثر تشويقًا وثراءً، فمنهجنا كان أكثر انفتاحًا على التأثيرات العالمية، خاصة أن فيلمنا يتميز بكونه يحتوي على نحو 70% من الحوار باللغة الإنجليزية، ما جعلنا نحرص على أن تكون القصة قابلة للتواصل مع الجمهور الدولي، لضمان حصول الفيلم على التقدير العالمي الذي يستحقه.

حدثينا عن تجربتكِ مع مدير التصوير ترافيس تيبس.. وهل ساعد في تجسيد رؤيتك البصرية للفيلم؟

ترافيس تيبس صديق عزيز منذ أكثر من 10 سنوات، وكنا دائمًا على وشك التعاون في عدد من المشروعات سواء في الولايات المتحدة أو في المغرب، لكن للأسف لم يُكتب لأيٍ منها أن يرى النور، حتى جاء "الجرح"، وتجربة العمل معه كانت مميزة بكل المقاييس، خاصة وأن ترافيس مدير التصوير في مسلسل حائز على جائزتي إيمي.

وأسلوبه في التعامل مع القصة، ومعرفته الدقيقة بأدواته، كانت عناصر حاسمة في ترجمة رؤيتنا إلى صور تنبض بالمشاعر، وما أدهشنا فعلًا هو مدى فهمه العميق للشخصيات والمشاهد، كان يعرف تمامًا متى يستخدم نوع الضوء المناسب أو العدسة الأنسب، ليلتقط ليس فقط ما نراه، بل ما نشعر به في كل لحظة من لحظات الفيلم، وأيام التصوير كانت طويلة ومرهقة، لكن لولا عزيمته وإصراره لما تمكنا من تحقيق ما أنجزناه.

ما انطباعكِ عن عرض الفيلم في مهرجان بيروت للمرأة؟

من دواعي فخرنا وامتناننا أن تكون انطلاقة "الجرح" في العالم العربي من خلال مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة، هذا المهرجان يحمل قيمة رمزية كبيرة، ليس فقط لأنه يحتفي بصوت المرأة، بل لأنه يُشكل مساحة حقيقية للحوار والتأمل في قضايانا، وشعورنا الذي يحمل مزيجًا من التواضع والحماس، لأن قصة "ليلى" تجد طريقها إلى جمهور المنطقة عبر منصة بهذا العمق والرقي.

الفيلم حظى بتكريمات دولية لافتة.. هل توقعتِ هذا الصدى منذ البداية؟

صنعنا هذا الفيلم بشغف كبير، وطموحات عالية، وأحلام واسعة، وكنا نأمل دائمًا أن يصل صداه إلى العالم ويحظى باعتراف دولي، ورؤية ذلك يتحقق على أرض الواقع هو شرف حقيقي، ولذلك نحن ممتنون لكل من أسهم في رحلة "الجرح" من الفكرة إلى العالمية، فلكل فرد دور في ذلك، سواء أمام الكاميرا أو خلفها، وله بصمة لا تُنسى في هذا النجاح.