الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بايرو يشعل الأزمة.. استفتاء مالي يُغضب الإليزيه والبرلمان

  • مشاركة :
post-title
رئيس وزراء فرنسا فرانسوا بايرو

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

أثار رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية الفرنسية، بعد اقتراحه إجراء استفتاء شعبي حول خطة إصلاح المالية العامة، وسط أزمة ديون متفاقمة تواجهها البلاد، في حين قوبل هذا المقترح بموجة رفض غير مسبوقة من قصر الإليزيه والأحزاب السياسية على حد سواء، وفق صحيفة "لوموند" الفرنسية، ما وضع رئيس الوزراء في موقف حرج، خاصة أنه يُسجل بالفعل أرقامًا قياسية في عدم الشعبية.

"خطة بايرو"

كشفت صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" الفرنسية، عن طرح فرانسوا بايرو، فكرة إجراء استفتاء على "خطة شاملة" لإصلاح المالية العامة، التي تتطلب جهودًا من الجميع.

وقال بايرو: "أعتقد أن مسألة الميزانية خطيرة بما يكفي، وذات عواقب وخيمة على مستقبل الأمة، لتوجيهها مباشرة إلى المواطنين، لذلك لا أستبعد أي احتمال".

يأتي هذا المقترح في إطار محاولات بايرو المستمرة لإشراك الرأي العام في القضايا المالية، استمرارًا لنهجه الذي أطلقه في مؤتمره الصحفي، 15 أبريل الماضي، حينما ردد مقولته الشهيرة: "الحقيقة تسمح بالعمل".

وبحسب أحد مستشاريه، فإن "بايرو" يسعى إلى "وضع كل شيء أمام الفرنسيين بشكل علني حتى لو كان ذلك مُربكًا"، مع العلم أنه أخبر رئيس الجمهورية مسبقًا بتصريحاته للصحيفة.

تحفظ الإليزيه

لم يلق اقتراح بايرو ترحيبًا من قصر الإليزيه، إذ نقلت "لوموند" عن مقربين من الرئيس إيمانويل ماكرون قولهم: "طالما أن الخطة غير معروفة، من الصعب التعبير عن موقف، سواء من الناحية القانونية أو من حيث الملاءمة السياسية أو المصلحة الوطنية".

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تصحيح موقف بايرو، فقد سبق أن اقترح فبراير الماضي، استشارة حول التقاعد، قبل أن يرد عليه ماكرون قائلًا: "الدستور واضح في بنوده وسأعبر عن رأيي في الوقت المناسب".

أما على صعيد الأحزاب السياسية، فكانت المعارضة أكثر حدة، إذ وصف النائب هارولد هوارت، المقترح بأنه "هروب إلى الأمام من رجل يشعر أنه لم يعد لديه أغلبية ويعلم أنه لن يتجاوز الخريف في البرلمان".

وأكد إريك كوكيريل، النائب عن حزب فرنسا الأبية اليساري، رئيس لجنة المالية في الجمعية الوطنية، أن الاستفتاء "لن يحدث"، بينما وصف أوليفييه فور، الأمين الأول للحزب الاشتراكي، الفكرة بأنها "عبثية".

تحديات مالية

يواجه رئيس الوزراء الفرنسي، صعوبات هائلة في معالجة الوضع المالي، وجعل مكافحة الديون أولوية قصوى في برنامجه السياسي، وفقًا لـ"لوموند"، فإن بايرو يهدف إلى خفض العجز العام من 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي، عام 2024 إلى 5.4% في 2025، ثم إلى 4.6% في 2026، وأقل من 3% بحلول عام 2029، وهو ما يمكن أن يبدأ معه تراجع الدين.

وستكون ميزانية العام المقبل حاسمة، إذ تتطلب جهودًا لتقليص العجز بمقدار ضعف ما تم إعلانه لعام 2025.

ووصفت صوفي بريماس، المتحدثة باسم الحكومة، إعداد ميزانية 2026 بأنه سيكون "كابوسًا"، خاصة في ظل التشكيلة السياسية الحالية، حيث البرلمان بلا أغلبية واضحة، ما يعيق هيكليًا اتخاذ قرارات جذرية.

مخاوف من تجاوز البرلمان

يرى البرلمانيون المشاركون في عملية التشاور مع الحكومة بشأن ميزانية 2026، أن اللجوء إلى الاستفتاء يمثل محاولة لتقويض دورهم في إقرار الميزانية، وهي من صلاحياتهم الأساسية.

وصرّح جان فرانسوا هوسون، عضو مجلس الشيوخ ومقرر الميزانية: "لا أوافق على هذه المحاولة لتجاوز البرلمان. أنا منزعج من اكتشاف هذه المبادرة في الصحافة، في حين أن رئيس الوزراء لم يجد الوقت لاستقبال مسؤولي لجان المالية. إجراء استفتاء حول موضوع بهذا التعقيد لا يمكن إلا أن يُشعل البلاد دون داعٍ".

ومن جانبه، يرى الخبير الدستوري بنجامين موريل، وفق ما نقلته "لوموند"، أن "هناك رغبة دائمة لدى رئيس الوزراء في لعب دور الرابط المباشر مع الشعب ضد الجمعية الوطنية"، مشيرًا إلى "وجود مخاطرة قانونية وسياسية واضحة، فالمسائل المتعلقة بالميزانية تخضع بالفعل لإجراء دستوري وقانون أساسي، ما قد يجعل الاستفتاء على الميزانية المستند إلى المادة 11 من الدستور لاغيًا".

وتساءل النائب فيليب لوتيو من حزب التجمع الوطني: "أي سؤال يمكن طرحه؟.. هل تريدون إجراء تخفيضات؟.. على ماذا؟".. تعقيد الموضوع لا يتناسب مع استفتاء. إذا أراد بايرو إجراء اقتراع، فعليه حل الجمعية الوطنية، وليس إجراء استفتاء.

وفي ظل هذه التحديات السياسية والقانونية المتشابكة، يبدو أن مسعى بايرو للاستفتاء يواجه عقبات كبيرة قد تقوض فرص نجاحه، خاصة مع تسجيله أرقامًا قياسية في عدم الشعبية لرئيس وزراء، خلال الجمهورية الخامسة، وفق "لوموند".