أعلن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، عن استعداده لخوض معركة طالما تعثر فيها أسلافه، وهي إصلاح الدولة الفرنسية. ويواجه الآن بعد نجاحه في تمرير موازنة 2025، تحديًا أكبر يتمثل في إعادة هيكلة جذرية لمؤسسات الدولة، وسط أزمة مالية خانقة وبيروقراطية متجذرة. وبحسب ما أشارت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية، فإن هذا المشروع الطموح يأتي في توقيت حرج يتطلب إجراءات حاسمة لإنقاذ المالية العامة.
تعقيدات تاريخية
كشفت الصحيفة الفرنسية عن عمق المشكلة التي تواجه فرنسا، إذ يعود تاريخ محاولات إصلاح الدولة إلى بدايات القرن العشرين. ويوضح البروفيسور ميشيل كاستيجتس، أستاذ جامعة باو، أن المحاولة الأولى كانت مع ليون بلوم في أعقاب الحرب العالمية الأولى، تلتها محاولات جوزيف كايو، مخترع ضريبة الدخل، في عام 1936. واللافت للنظر، كما يشير كاستيجتس، أن التشخيص الذي قدمه كايو آنذاك يكاد يتطابق مع الوضع الراهن، مما يؤكد استعصاء المشكلة على الحل طوال قرن كامل. وتكشف الأرقام التي أوردتها الصحيفة عن حجم البيروقراطية الفرنسية المذهل، إذ إن 5.67 مليون موظف حكومي، منهم 2.52 مليون في الوظائف الحكومية المركزية، يعملون في إطار ألف وكالة عامة، ويطبقون ما يزيد على 400 ألف قاعدة تنظيمية. وكل هذه الأرقام تجعل فرنسا تتصدر دول الاتحاد الأوروبي في إنتاج القواعد التنظيمية والتعقيدات الإدارية.
المقاومة الداخلية
ترصد إكسبريس تحديًا جوهريًا يواجه مشروع بايرو، يتمثل في المقاومة الشرسة من داخل المؤسسات الحكومية نفسها. إذ يوضح الخبير السياسي بيير بوبي أن أي محاولة لإلغاء هيئة حكومية أو دمجها تواجه برد فعل فوري من موظفيها الذين يدافعون عن وجودها باعتباره ضروريًا. ويضيف كاستيجتس عاملًا آخر يزيد الأمر تعقيدًا، وهو غياب المطالبة الشعبية بالإصلاح، إذ ظلت جميع المحاولات السابقة مبادرات حكومية بحتة لم تنبع من ضغط مجتمعي حقيقي. وتستعرض الصحيفة الفرنسية سلسلة المحاولات السابقة التي باءت معظمها بالفشل، بدءًا من قانون LOLF في عهد جاك شيراك عام 2001، الذي يعتبر الاستثناء الوحيد الذي حقق نجاحًا نسبيًا، مرورًا بمشروع مراجعة السياسات العامة RGPP في عهد نيكولا ساركوزي عام 2007، وصولًا إلى برنامج تحديث العمل العام MAP في عهد فرانسوا هولاند عام 2012، وجميعها لم تحقق أهدافها المرجوة.
معادلة بالغة التعقيد
يواجه بايرو، وفقًا لتحليل إكسبريس، معادلة بالغة التعقيد تتمثل في ضرورة تخفيض النفقات العامة مع الحفاظ على مستوى الخدمات الحكومية وكفاءتها. وتشير الصحيفة إلى أن بايرو أعلن عن إنشاء صندوق خاص مخصص لتمويل عملية الإصلاح، متجاهلًا وجود صندوق مماثل تم إنشاؤه في عهد ماكرون عام 2017، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذه الخطوة. وتختتم بتحليل دقيق للتوقيت الذي اختاره بايرو لإطلاق مشروعه الإصلاحي، فبحسب بيير بوبي، فإن الإصلاحات العميقة للدولة عادة ما تنجح في بداية الولاية الرئاسية، حين يتمتع الرئيس بفترة "شهر العسل" السياسي. ويستشهد بتجربة ماكرون الذي احتاج، رغم قوة شعبيته في بداية ولايته، إلى عامين كاملين لمجرد إلغاء المدرسة الوطنية للإدارة (ENA)، مما يجعل مهمة بايرو في الظروف الحالية أكثر صعوبة.