في خطوة وُصفت بالتاريخية، أقرت مقاطعة لوس أنجلوس الأمريكية تسوية مالية بقيمة 4 مليارات دولار لتعويض آلاف ضحايا الانتهاكات الجنسية التي تعرّض لها الأطفال داخل دور الرعاية والمراكز البديلة الخاضعة لإدارة المقاطعة على مدى عقود، وسط انتقادات بأن المال وحده لا يكفي لجبر الضرر أو إصلاح نظام طالما أُدين بإهماله لأضعف الفئات.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "ذا جارديان"، فإن التسوية التي وافق عليها مسؤولو المقاطعة بالإجماع، تهدف إلى إنهاء نحو 7000 دعوى قضائية تتعلق باعتداءات جنسية، يعود بعضها إلى خمسينيات القرن الماضي، إلا أن النسبة الأكبر من الحالات وقعت بين ثمانينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الجديدة، ما يجعلها أكبر تسوية من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة.
دار ماكلارين.. مأوى مؤقت تحوّل إلى كابوس
معظم الشكاوى تركزت على مركز ماكلارين للأطفال، وهو دار رعاية بديلة أنشئ في 1961 لإيواء الأطفال مؤقتًا قبل نقلهم إلى مؤسسات أخرى. لكن واقع المركز كان مختلفًا تمامًا، إذ تحول إلى بيئة مكتظة وطويلة الإقامة للأطفال، حيث كشف الضحايا عن تعرضهم للتخدير، والاعتداء الجسدي والجنسي، إضافة إلى تهديدات بالانتقام لمن يجرؤ على الشكوى.
وفي تقرير صدر عن هيئة محلفين كبرى، تبيّن أن بعض العاملين في المركز كانوا من أصحاب السوابق الجنائية، مما أثار موجة غضب واسعة انتهت بإغلاقه رسميًا عام 2003، عقب تحذيرات متكررة من جماعات الحقوق المدنية ودعوى قضائية من اتحاد الحريات المدنية الأمريكي. رغم ذلك، لم تتم محاكمة أي شخص حتى اليوم على خلفية هذه الانتهاكات، باستثناء عدد محدود من القضايا التي أُحيلت إلى المدعي العام.
اعتراف بالذنب.. دون محاسبة
وفي تعليقها على القرار، قالت كاثرين بارجر، مشرفة مقاطعة لوس أنجلوس: "لم أكن أتخيل أن من أوكلت إليهم مسؤولية حماية أطفالنا يمكن أن يخونوا هذه الثقة بهذا الشكل". وأضافت: "هذه التسوية تعني الاعتراف بماضٍ مظلم في تاريخ المقاطعة، ومحاولة لتصحيحه، ولو جزئيًا".
وتتضمن الإجراءات المرافقة للتسوية سلسلة من الإصلاحات التشريعية والإدارية، من بينها إطلاق خط ساخن لتلقي بلاغات الاعتداء ضد موظفي المقاطعة، وتسريع آليات التحقيق، مع منح السلطات المحلية صلاحيات فصل المتورطين فورًا وتحويلهم إلى جهات إنفاذ القانون.
الضحايا: العدالة لا تكتمل دون محاسبة
من جهته، عبّر جيمي فيجيل، أحد الضحايا، عن شعوره بالرضا الجزئي تجاه التعويضات والإصلاحات الجديدة، لكنه شدّد على أن "العدالة الحقيقية لن تتحقق ما لم يُحاكم الجناة". وأضاف: "لقد دمروا طفولتنا.. من المؤلم أنهم أفلتوا من العقاب".
وجاءت هذه التسوية بعد تعديل قانون التقادم في ولاية كاليفورنيا عام 2020، والذي أتاح "نافذة استرجاعية" مدتها ثلاث سنوات لتمكين الضحايا من تقديم شكاوى قديمة. ووفقًا للاتفاق، ستستمر المدفوعات المالية حتى عام 2050، مع صرف مئات الملايين من الدولارات سنويًا حتى 2030 على الأقل.