الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

محددات التصعيد الفلبيني مع بكين في بحر الصين الجنوبي

  • مشاركة :
post-title
بحر الصين الجنوبي

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

في خضم تطلعات الصين الإقليمية، باتت الفلبين رقمًا مهمًا في معادلة مواجهة النفوذ العسكري المتنامي لبكين في بحر الصين الجنوبي، ما عزز التوترات العسكرية بين الأخيرة ومانيلا على خلفية النزاعات الإقليمية حول جزر سبراتلي غير المأهولة.

وتبادل الجنود الصينيون والفلبينيون، مطلع الأسبوع الجاري، رفع علمي بلديهما على شريط رملي بجزيرة ساندي كاي، التي تقع على بُعد 1.5 ميل بحري شمال غرب جزيرة ثيتو الفلبينية ونحو 9.3 ميل بحري شمال شرق جزيرة سوبي ريف الاصطناعية العسكرية الصينية، بالتزامن مع تعزيز الحضور العسكري والدبلوماسي للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين لدعم الفلبين.

تأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي دواعي التصعيد بين مانيلا وبكين وتداعياتها على الأمن الإقليمي في بحر الصين الجنوبي.

دواعي التصعيد

يُشكل التصعيد في أحد أهم ممرات الملاحة التي يمر من خلالها نحو ثلث التجارة البحرية العالمية، ويمكن استعراض دواعي التصعيد بين بكين ومانيلا على النحو التالي:

(*) الثروات النفطية: يزخر بحر الصين الجنوبي باحتياطيات وقود أحفوري ضخمة تبلغ نحو 3.6 مليار برميل نفط و40.3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وتتركز الثروات حول سلاسل الجزر غير المأهولة "جزر بارسيل" و"جزر سبراتلي"، التي تتنازع الصين وتايون وفيتنام السيادة الكاملة عليها، بينما تدعي الفلبين السيادة على الجزء الشمالي الشرقي من جزر سبراتلي، الذي تسميه الفلبين مجموعة جزر "كالايان".

وأسهمت التوترات البحرية والنزاع على السيادة بين الصين والفلبين وفيتنام في إعاقة أنشطة الاستكشاف لكل من مانيلا وهانوي، اللتين تعتمدان على واردات الطاقة من الخارج لتلبية احتياجات اقتصادهما المتناميان وهو ما يضغط على أسعار الطاقة على المستهلكين في الداخل.

مناورات "باليكاتان 25"

(*) سياسات الردع والاحتواء الأمريكي: تزامنت التوترات مع انطلاق مناورات البرية والبحرية "باليكاتان 25"، 21 أبريل 2025 وتستمر حتى 5 مايو المقبل، بمشاركة 5000 جندي فلبيني و9000 جندي أمريكي، وتشهد النسخة الحالة للمناورات جنودًا من فرنسا وبريطانيا واليابان وأستراليا وجمهورية التشيك وليتوانيا وبولندا وهولندا، وتضمنت المناورة التي تحاكي سيناريو معركة واسعة النطاق نشر صواريخ نيميسيس المضادة للسفن.

ونشرت الصين، الأسبوع الماضي، حاملة الطائرات شاندونج مصحوبة بست مدمرات وفرقاطات قرب جزر باتان في مضيق لوزون الفاصل بين شمال الفلبين وجزيرة تايوان، وأشارت صحيفة "ساوذ تشاينا مورنينج بوست"، 30 أبريل 2025، إلى أن شاندونج نفذت عمليتي عبور نادرتين في المنطقة، خلال أسبوع بالتزامن مع المناورات الأمريكية الفلبينية "باليكاتان 25".

(*) الأهمية المتزايدة للفلبين: وقعت الفلبين ونيوزيلندا، 30 أبريل الماضي، اتفاقًا عسكريًا يسمح بنشر قوات كل منهما على أراضي الطرف الآخر، في أحدث مؤشر على تعمق الروابط الاستراتيجية بين مانيلا وشركائها الإقليميين، منذ تولي الرئيس فرديناند ماركوس جونيور، لمواجهة تهديدات الصين وادعاءات السيادة على أغلب مناطق بحر الصين الجنوبي، ما جعل الأولى عقدة رئيسية في التحالفات الإقليمية المناهضة للصين بالنظر لموقعها الاستراتيجي المركزي في بحر الصين الجنوبي على صعيد النزاعات الإقليمية.

تحالف سكواد

وتقود الفلبين مساعي توسيع تحالف "سكواد"، الذي يشمل الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، إذ حثت كل من الهند وكوريا الجنوبية على الانضمام إلى التحالف الناشئ، الذي قد يساعد فور تشكيله على تعزيز جهود مراقبة النشاط العسكري لبكين وتحسين قدرات الرد السريع لردع أي تصعيد في منطقة المحيطين عمومًا وبحر الصين الجنوبي على وجه الخصوص، عبر تعزيز التدريبات المشتركة والتشغيل البيني بين قوات الحلفاء الآسيويين في حالات الطوارئ. كما تعد الفلبين حلقة وصل حيوية لتخفيف الضغط عن تايوان حال مواجهة الأخيرة محاولة صينية لإعادة التوحيد مع البر الرئيسي بالقوة العسكرية ونواة تحالف أمني إقليمي، في ضوء اتفاقيات التعاون العسكري التي تسمح بسرعة نشر القوات الأمريكية في 9 مواقع عسكرية على امتداد الأرخبيل والتعاون العسكري المتنامي بين مانيلا وطوكيو.

وتسهم اليابان بصورة فاعلة في دعم موقف الفلبين في المنطقة، إذ أجرى رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا زيارة إلى مانيلا، 29 أبريل 2025، شملت تعزيز التحالف المشترك بين البلدين وتعزيز شراكتهم مع الولايات المتحدة في مواجهة الصين ببحري الصين الشرقي والجنوبي، وتأمين سلاسل إمداد الطاقة لكل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان التي تمر في بحر الصين الجنوبي عبر مضيق ملقا.

ووقع الجانبان الياباني والفلبيني، يوليو 2024، اتفاقًا عسكريًا لوجيستيًا للوصول العسكري المتبادل للقواعد العسكرية ومنشآت التدريب في البلدين، وهو ما يسمح لنشر جنود ومعدات عسكرية في أي من البلدين في التدريبات المشتركة أو في مواجهة الحالات الطارئة والاستجابة للكوارث.

تداعيات محتملة

ويعزز تحالف سكواد الناشئ توجه الفلبين لتدشين تحالف عسكري إقليمي لردع أنشطة جيش التحرير الشعبي الصيني في بحري الصين الشرقي والجنوبي وجنوب المحيط الهادئ، وهو ما يجعل أعضاءه في مواجهة مباشرة مع الصين لمواجهة أي حملة عسكرية محتملة في تايوان.

وعلى الجانب الآخر تثير توجهات الفلبين وحلفائها في سكواد مخاوف العديد من القوى الآسيوية الكبرى وتشككها من جدوى التحالف، وعلى رأسها الهند التي تنظر للتحالف الجديد باعتباره فرصة لتعزيز انخراط الصين بالمجال البحري الشرقي وبالتالي صرف انتباه بكين عن المحيط الهندي وتقليص التوترات الحدودية بين البلدين.

وإن استدعاء قوى غير آسيوية لإرساء هيكل أمني جديد في بحر الصين الجنوبي لا يضعف فقط هيمنة بكين على المنطقة ومشروعاتها لتدشين مدونة سلوك للأطراف في بحر الصين الجنوبي، وإنما يضعف على الجانب الآخر من دور رابطة جنوب شرق آسيا "آسيان" في النظام الأمني الآسيوي والمجال الحيوي لمنطقة جنوب شرق آسيا خاصة.

وإجمالًا؛ تشير مواقف مانيلا وبكين إلى دخول المواجهة بين البلدين مرحلة جديدة من التصعيد رغم مخاوف العديد من حلفاء واشنطن الإقليميين من التزام إدارة ترامب الأمني تجاه الحلفاء، في ظل استمرار الغموض الاستراتيجي بشأن سبل التصدي للنفوذ العسكري الصيني في منطقة المحيطين ودعم الحلفاء في بحر الصين الجنوبي والسياسات الأحادية لإدارة ترامب، إلى جانب الموقف من احتمالات ضم الصين لجزيرة تايوان بالقوة العسكرية.