بعد أن وقعت كييف أخيرًا اتفاقية شراكة اقتصادية تمنح واشنطن إمكانية الوصول التفضيلي إلى الصفقات المعدنية الأوكرانية المستقبلية، يتزايد القلق في موسكو من أن روسيا قد تفقد تفوقها في المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن الحرب في أوكرانيا الآن.
ووفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، سخر المسؤولون الروس من الاتفاقية هذا الأسبوع، حيث قال النائب أليكسي بوشكوف، إنها تمثل "خطوة كبيرة أخرى نحو استعمار أوكرانيا".
كما أكد أليكسي تشيبا، نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في البرلمان، ذلك الرأي، قائلاً إن الاتفاقية "زادت من اعتماد أوكرانيا على الولايات المتحدة".
وقال تشيبا للصحفيين الروس: "إن الصفقة في جوهرها حولت أوكرانيا إلى مستعمرة معدنية".
وخلف الكواليس، يتزايد التوتر بين النخبة الروسية؛ خوفًا من أن يمثل الاتفاق تحالفًا جديدًا بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وهو ما قد يغلق نافذة الفرصة أمام روسيا لتأمين اتفاق سلام بشروط مفيدة.
ضغوط على موسكو
يشير التقرير إلى أن وصول إدارة ترامب لسدة الحكم في واشنطن أحدث تحولًا جذريًا في النهج الأمريكي تجاه الصراع، مدعومًا باتصالات هاتفية شخصية بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تصريحات عديدة للمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، التي مالَت أكثر نحو وجهة النظر الروسية تجاه الصراع، كما انتقد ترامب الدعم العسكري الأمريكي السخي لأوكرانيا.
تنقل "واشنطن بوست" عن مسؤول روسي ومحللين، أن أي تراجع في هذه العلاقات الدافئة بين الولايات المتحدة وروسيا قد يلقي بظلاله على احتفالات بوتين في التاسع من مايو بالذكرى الثمانين للنصر على ألمانيا النازية، ويزيد الضغوط على روسيا للموافقة على وقف إطلاق نار أكثر جوهرية.
ويوم الخميس، أشاد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، باتفاقية المعادن، مضيفًا: "إنها تُظهر للقيادة الروسية أنه لا يوجد فرق بين الشعب الأوكراني والشعب الأمريكي، وبين أهدافنا".
وأضاف الوزير الأمريكي أن الاتفاقية "ستسمح لترامب بالتفاوض مع روسيا على أسس أقوى".
وينقل التقرير عن سيرجي ماركوف، المحلل السياسي المقرب من الكرملين، أن الاتفاق "يزيد من تفاقم الوضع بالنسبة لروسيا".
وأضاف: "لقد أُزيل أحد الأسباب الرئيسية للتوترات بين ترامب والرئيس زيلينسكي".
تعاون مستقبلي
رغم أن الاتفاق الذي تم توقيعه يوم الأربعاء، يرسم التعاون المستقبلي بعبارات غامضة فقط ولا يقدم أي ضمانات أمنية ملموسة، يتضح رمزيًا أن "الولايات المتحدة تتحمل واجبًا معينًا للدفاع عن أوكرانيا؛ لأنها أصبحت مالكة لها"، كما قال ماركوف.
يُنشئ الاتفاق صندوق استثمار إعادة الإعمار الأمريكي الأوكراني، الذي سيكون مستودعًا لأي إيرادات مستقبلية من صفقة المعادن، وينص على أن أي مساعدة عسكرية أمريكية مستقبلية لأوكرانيا ستُعتبر أيضًا استثمارًا أمريكيًا في الصندوق.
وكانت روسيا تسعى جاهدةً لوقف أي إمدادات أسلحة أمريكية أخرى إلى أوكرانيا كشرط لوقف إطلاق نار طويل الأمد، لكن يبدو أن هذا الاحتمال قد تضاءل الآن.
كما بدا أن موسكو لها اليد العليا في المفاوضات بشأن مصير أوكرانيا، خاصة بعد الخلاف الحاد بين زيلينسكي وترامب في مارس الماضي في المكتب البيضاوي، والذي أدى إلى عدم توقيع صفقة المعادن ثم إعادة التفاوض عليها.
وتقوم موسكو وكييف بتبادل اللوم على عدم إحراز تقدم نحو السلام الذي صرّح ترامب في البداية بأنه قادر على تحقيقه خلال 24 ساعة من توليه الرئاسة، لكن بعد خلافاته الأولية مع زيلينسكي -بما في ذلك اتهامه زورًا باستفزاز الغزو الروسي- تزايد تركيز غضب ترامب على تباطؤ روسيا في المفاوضات، ورفضها الواضح لوقف إطلاق النار الذي اقترحته الولايات المتحدة لمدة 30 يومًا، والذي أيدته كييف فورًا.
بعد لقاء قصير مع زيلينسكي على هامش جنازة البابا فرانسيس الأسبوع الماضي، هاجم ترامب بوتين بشدة؛ بسبب الهجمات الصاروخية القاتلة الأخيرة على المناطق المدنية، مهددًا بمزيد من العقوبات، وقال إنه يتساءل عمّّا إذا كان الزعيم الروسي "يُغريني فقط".
كما بدا أن البيت الأبيض رفض اقتراح بوتين هذا الأسبوع بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام خلال احتفالات يوم النصر في 9 مايو.
استهداف الاقتصاد
هذا الأسبوع، حذّر السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، من ولاية كارولينا الجنوبية، من حصول إدارة ترامب على دعم مجلس الشيوخ لمشروع قانون يدعو إلى فرض عقوبات جديدة ساحقة على روسيا.
ويهدف مشروع القانون إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 500% على الواردات من الدول التي تشتري النفط أو الغاز أو اليورانيوم الروسي، إذا لم تنخرط روسيا في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب.
وفي الأيام الأخيرة، ناقش مسؤولون أمريكيون وأوروبيون فرض عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا تؤثر على القطاعين المصرفي والطاقة؛ من أجل الضغط عليها لدعم الجهود الدبلوماسية الأمريكية لإنهاء الحرب، بحسب ما نقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي.
وأضاف المسؤول أن المناقشة تدور حول استهداف شركة الطاقة الروسية العملاقة "جازبروم"، من بين شركات أخرى.
كما نقل التقرير عن مسؤول روسي أن الضغط يتزايد الآن على بوتين ليبدو على الأقل مستعدًا لتقديم المزيد من التنازلات.
وأضاف: "إنه (بوتين) يدرك حاجته إلى مزيد من التعاون، وإلا فإن مشروع القانون الذي قدمه جراهام سيُمثل ضربة موجعة، لأن الحكومة أعلنت بالفعل عن تزايد عجز الموازنة".
وتُشكّل المخاوف الاقتصادية جوهر خلافٍ متفاقمٍ في النخبة الروسية حول أساليب التفاوض، حيث يضغط الجانب الأكثر اعتدالًا على الكرملين لقبول صفقةٍ أمريكيةٍ محتملةٍ تُجمّد الصراع على خط المواجهة مقابل رفعٍ جزئيٍّ للعقوبات واعترافٍ أمريكيٍّ بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم.
أما الصقور، فيضغطون على روسيا لمواصلة حربها بغض النظر عن الوضع الاقتصادي.
ينقل التقرير عن المسؤول الروسي إن الاعتبارات الاقتصادية تلعب دورًا متزايدًا؛ لأنه "من المستحيل بناء الاقتصاد بالكامل على نموذج التعبئة".
وأدت العقوبات والإنفاق العسكري الروسي المفرط في زمن الحرب إلى ارتفاع حاد في التضخم -الذي يُقدر رسميًا بنحو 10%- بينما بلغت زيادات أسعار المستهلك ضعف هذا المعدل تقريبًا. وفشلت جهود البنك المركزي لمكافحة التضخم بأسعار فائدة مرتفعة بلغت 21% في كبح جماح ارتفاع الأسعار، بل أدت إلى تزايد حالات التخلف عن السداد في الاقتصاد الروسي وفي مختلف أنحاء النظام المصرفي.
وهذا الأسبوع، أفاد "سبيربنك"، أكبر بنك في روسيا، بأن عدد القروض المتعثرة قد ارتفع بشكل حاد في الربع الأول من عام 2025، حيث بلغت نسبة القروض الاستهلاكية المتأخرة 16.1% من إجمالي محفظة القروض.
وقال المسؤول إن النقاش في الحكومة يدور بين الذين يرون في تدهور الاقتصاد سببًا لإقامة علاقات أفضل مع الولايات المتحدة، والذين يعتقدون أن روسيا يجب أن تستولي على المزيد من الأراضي الأوكرانية في حين تتمتع بالميزة العسكرية وأوروبا تكافح لملء الفراغ الذي خلفته أمريكا المترددة.