وضعت صفقة المعادن التي أبرمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا مع أوكرانيا إدارته في مأزق استراتيجي حول كيفية التعامل مع روسيا، إذ تواجه واشنطن تحديات جديدة في محاولتها لإقناع الكرملين بالانضمام إلى خطة السلام الأمريكية، وفقًا لمجلة "بوليتيكو".
اتفاقية اقتصادية بأبعاد سياسية
وكشفت مصادر مطلعة للمجلة، عن "أنه في الوقت الذي احتفى فيه مسؤولو الإدارة الأمريكية علنًا بالاتفاقية باعتبارها تطورًا رئيسيًا، يوجد افتقار إلى توافق في الآراء داخل البيت الأبيض بشأن الخطوات التالية".
وبموجب الاتفاقية، ستنشئ الدولتان صندوقًا استثماريًا مشتركًا للمساعدة في إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب، وستحصل الولايات المتحدة على حقوق تفضيلية في استخراج المعادن من أوكرانيا.
وأوضح سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكي الذي قاد المفاوضات، أن "هذه إشارة قوية للقيادة الروسية، وتمنح الرئيس ترامب القدرة على التفاوض مع روسيا على أساس أقوى".
وأضاف، في تصريحات لشبكة "فوكس بزنس"، أن ترامب "منح الرئيس الأوكراني الآن الورقة الرابحة، لأننا يمكننا الآن أخذ هذه الأوراق والذهاب وإظهار القيادة الروسية أنه لا يوجد انقسام بين الشعب الأوكراني والشعب الأمريكي فيما يتعلق بأهدافنا".
موقف بوتين المتصلب
رغم الاحتفاء بالاتفاقية، يزداد الموقف الروسي تشددًا، إذ التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أربع مرات في أربعة أشهر مع مبعوث ترامب ستيف ويتكوف، واستمر في رفض المقترح الأمريكي لإنهاء الحرب، الذي من شأنه تجميد الصراع على طول خطوط المعركة الحالية، ما يمنح روسيا مكاسب إقليمية كبيرة.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن الخطوة التالية للإدارة الأمريكية قد تتضمن خيارات صعبة، بما في ذلك الضغط المباشر على الكرملين، وهو ما كان ترامب مترددًا في القيام به حتى الآن.
وأوضح أحد المصادر المطلعة للمجلة: "المزيد من العقوبات ستكون الخطوة التالية... إذا أراد الرئيس أن يسلك هذا الطريق".
ردًا على حملة القصف الروسية المكثفة في الأيام الأخيرة، تساءل ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي عمّا إذا كان بحاجة إلى تشديد نهجه تجاه بوتين، لكنه على مدار الأشهر الأربعة الماضية، لم يُظهر أي حماس للقيام بذلك.
تنسيق دولي محتمل
ولفتت "بوليتيكو" إلى أن ترامب قد يواجه ضغوطًا متزايدة من الكونجرس في هذا الملف، إذ حصل مقترح برعاية السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا ليندسي جراهام، لفرض عقوبات جديدة على روسيا ورسوم جمركية بنسبة 500٪ على البلدان التي تشتري النفط والغاز والألومنيوم الروسي على دعم واسع من الحزبين في مجلس الشيوخ، وربما أغلبية كافية لتجاوز الفيتو الرئاسي.
وعلى الصعيد الدولي، صرح وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أنه ناقش هذا المقترح "الجدير بالثناء" مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو خلال اجتماع، معربًا عن رغبته في أن ينسق الحلفاء الأوروبيون مع الولايات المتحدة بشأن فرض عقوبات جديدة.
وعود ترامب
يأتي إبرام هذه الاتفاقية بعد مرور أكثر من 100 يوم على بداية ولاية ترامب الثانية، الذي وعد بإبرام صفقات تجارية وتحقيق سلام بين روسيا وأوكرانيا في اليوم الأول من إدارته.
وفي إطار تسويق الإنجاز، وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت الاتفاقية بأنها "تاريخية"، وأنها دليل على أن الرئيس هو "صانع الصفقات الرئيسي" وملتزم بـ "تأمين سلام دائم" في أوكرانيا.
يُذكر أن ترامب، الذي كان اقتراحه الأولي لأوكرانيا هو أن تحصل الولايات المتحدة على 500 مليار دولار من إيرادات تطوير المعادن المستقبلية، استمر في وصف الصفقة علنًا كوسيلة لاسترداد جزء من المساعدات الدفاعية الأمريكية البالغة 120 مليار دولار، إلا أن الاتفاق النهائي لا يتطلب من أوكرانيا سداد أي مساعدات، بل ستحتفظ أوكرانيا بالسيطرة على مواردها الطبيعية وستساهم بنسبة 50٪ من الإيرادات المستقبلية من التراخيص الجديدة للمعادن الحيوية واستكشاف النفط والغاز.
خطوة إيجابية.. ولكن
يرى ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية والمخضرم في ثلاث إدارات جمهورية، أن الصفقة تمثل خطوة إيجابية نحو تحسين العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، لكنها ليست تغييرًا جذريًا في مسار محادثات السلام.
وقال هاس لـ"بوليتيكو": "يجب ألا نبالغ في تقدير هذا الأمر.. إنه ليس بديلاً عن دعم عسكري واستخباراتي أمريكي مفتوح وطويل الأجل لأوكرانيا.. السؤال الأهم هو ما إذا كانت هذه الاتفاقية تؤدي إلى شيء أكبر بين الولايات المتحدة وأوكرانيا."
وأضاف هاس: "إذا كان هناك شيء، فإن الموقف الروسي قد تصلب.. إنهم يلاحقون الحرب دون تراجع، وموقفهم المعلن يزداد تطلبًا وليس أقل، ويبتعد أكثر عن وقف إطلاق النار."
المسارات السرية
ونوهت "بوليتيكو" بأن الإلحاح للتصديق النهائي على اتفاقية التعاون الاقتصادي ازداد في الأيام الأخيرة بعد لقاء ترامب مع نظيره الأوكراني على هامش جنازة البابا فرنسيس، نهاية الأسبوع الماضي.
كما تبلورت الاتفاقية مع تزايد استياء ترامب من حملة القصف الروسية المتصاعدة على العاصمة الأوكرانية وموقف موسكو المتشدد بشأن محادثات السلام.
وأشار مسؤول في البيت الأبيض إلى أن الموقف الروسي المتشدد علنًا لا يعكس بالكامل المفاوضات الخاصة مع موسكو، ما يفتح باب التكهنات حول المسارات السرية للدبلوماسية الأمريكية.