يشهد عام 2025 عودة قوية ومبشرة لعدد من نجوم السينما المصرية الذين ابتعدوا لفترات طويلة عن الشاشة الكبيرة، ليعودوا اليوم بأعمال تحمل في طياتها مزيجًا من الحنين للماضي وروح التجديد. ولا تقتصر هذه العودة على الظهور الفني فقط، بل تعبّر عن موجة جديدة من الحراك داخل الصناعة السينمائية المصرية، حيث تمتزج الخبرات الطويلة مع تطورات العصر، وتلبية لرغبة الجمهور المتجددة في رؤية نجومهم المفضلين.
في خضم هذا النشاط اللافت، تثير هذه العودة تساؤلات عدة تتعلق بأبعادها الفنية والتجارية، فضلًا عن انعكاساتها على شكل المنافسة في الساحة السينمائية.
قصة مدينة
يستعد الفنان المصري أحمد حلمي للظهور مجددًا على الشاشة الكبيرة بفيلم جديد يحمل عنوان "قصة مدينة"، وذلك بعد غياب دام منذ فيلمه الأخير "واحد تاني" عام 2022.
الفيلم يستلهم أحداثه من وقائع حقيقية جرت في مدينة الإسماعيلية عام 1967، ويركّز على بطولات المقاومة الشعبية في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر.
العمل تأليف الثنائي خالد وشيرين دياب، ومن إخراج محمد شاكر خضير، الذي سبق أن تعاون مع حلمي في "واحد تاني"، أما الإنتاج، فتتولاه شركة "ميديا هب – سعدي وجوهر"، وقد بدأت بالفعل التحضيرات المبدئية، وسط توقعات ببدء التصوير في وقت قريب.
عودة هاني سلامة
يعود أيضًا الفنان هاني سلامة إلى السينما بعد غياب امتد لأكثر من 13 عامًا، من خلال فيلمه المنتظر "الحارس"، المقرر طرحه ضمن موسم صيف 2025.
وكان آخر ظهور سينمائي له في فيلم "واحد صحيح" عام 2011، ومنذ ذلك الحين اقتصر حضوره الفني على الدراما التلفزيونية، رغم محاولات متعددة للعودة إلى السينما لم تكتمل.
ويتناول فيلم "الحارس" قصة محقق يتعاون مع جهات حكومية في البحث عن شخصية غامضة تقوم بفضح سلوكيات المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويطرح الفيلم رؤية ناقدة للتأثيرات السلبية لهذه الوسائل على الأفراد والعلاقات، مع تسليط الضوء على قضايا اجتماعية معاصرة.
ديربي الموت
أما النجم يوسف الشريف، فيستعد هو الآخر للعودة إلى السينما بعد غياب استمر سبع سنوات، عبر فيلمه الجديد "ديربي الموت".
وتُعد هذه العودة حدثًا منتظرًا من جمهوره العريض، خاصة وأنه عُرف بخياراته الفنية الدقيقة، التي غالبًا ما تمزج بين الغموض والإثارة.
"ديربي الموت" لا يمثل فقط عودة له، بل يُعد محطة مهمة في مسيرته الفنية، إذ يجمع بين عنصري التشويق الرياضي والإثارة الدرامية، تحت إدارة المخرج أحمد نادر جلال، الذي سبق له التعاون الناجح معه في عدة أعمال.
انتعاش السوق السينمائية
يرى الناقد الفني المصري أندرو محسن، أن حالة الانتعاش الحالية داخل السوق السينمائية المصرية، انعكست بشكل واضح في ارتفاع إيرادات شباك التذاكر، ويرجع هذا الازدهار إلى التنوع اللافت في الأعمال السينمائية التي طُرحت خلال العامين الماضيين، سواء من حيث الموضوعات أو من خلال دخول أسماء جديدة للساحة كممثلين ومخرجين.
وأضاف لموقع "القاهرة الإخبارية": "يمكننا رصد هذا التنوع من خلال أفلام مثل "فوي فوي فوي" و"وش في وش"، كما شهدنا العام الماضي أعمالًا بارزة مثل "الحريفة" و"رحلة 404"، وهذا الزخم يستمر مع أفلام هذا العام، مثل "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو"، الذي حقق نجاحًا كبيرًا، و"سيكو سيكو"، الذي سجّل أرقامًا قياسية على مستوى الإيرادات.
يشير "أندرو" إلى أن هذه التحولات دلالة على اهتمام متزايد بصناعة السينما، ما شجّع الكثير من الفنانين –سواء ممن حققوا نجاحات سابقة أو من خاضوا تجارب لم تكلل بالنجاح– على العودة إلى الشاشة والمنافسة من جديد.
جودة المحتوى
وفيما يتعلق بتأثير عودة النجوم الكبار على فرص الجيل الجديد، يرى الناقد المصري أندرو محسن أن "البقاء دائمًا للأفضل"، وقال في هذا الصدد: "اسم الفنان وحده لا يضمن النجاح، فالنجم أحمد حلمي، قدّم في السابق أعمالًا لم تحقق الإيرادات المتوقعة، فالجودة هي المعيار الأهم".
ويضيف: "لا أرى أن عودة الأسماء الكبيرة ستحرم الجيل الجديد من الفرص، بل العكس، التنوع بين الأجيال ضروري لصناعة سينما صحية ومتوازنة، ونحتاج إلى أفلام متعددة الأشكال؛ من الكوميديا إلى الأكشن والرومانسية، ليكون لدى الجمهور حرية اختيار واسعة، ويستفيد كل فنان من التطورات التي طرأت على الصناعة خلال السنوات الماضية، ويقدم ما يلبي تطلعات المتلقي الجديد".
الذوق العام
كما يلفت إلى التغير الواضح في ذوق الجمهور المصري، ويقول: "أفلام لم تكن تحقق إيرادات في السابق أصبحت اليوم ناجحة، مثل رحلة 404 والبحث عن منفذ لخروج السيد رامبو. حتى الأعمال الرومانسية، مثل الهوى سلطان للفنانة منة شلبي، لاقت قبولًا جماهيريًا واسعًا، ما يدل على تبدل اهتمامات المتلقي المصري".
منصات رقمية
ويختتم محسن حديثه بالإشارة إلى العوامل التي ساهمت في هذا التغير، مثل انفتاح الجمهور على تجارب سينمائية جديدة من خلال المنصات الإلكترونية.
ويضيف: "عودة الفنان محمد سعد إلى شباك التذاكر بعد فترة من التراجع تمثل مثالًا حيًا على أن العودة ستظل حاضرة، والتجريب جزء لا يتجزأ من تطوّر الصناعة. وربما نشهد مستقبلًا توجهًا واضحًا نحو البطولات الجماعية التي تجمع أكثر من جيل، وهو ما سيمنح السينما المصرية ثراءً بصريًا وفنيًا وتنوعًا يليق بتاريخها".
طارق الشناوي: ليست تهديدًا لجيل جديد
يشير الناقد الفني المصري طارق الشناوي إلى أن عودة بعض نجوم السينما بعد غياب، لا يشكّل تهديدًا لأي جيل فني، سواء ممن سبقهم أو من جاء بعدهم، مؤكدًا أن الساحة الفنية تتسع للجميع، والفنان بطبيعته يجد مساحته مع مرور الزمن.
وأضاف لموقع "القاهرة الإخبارية" أن عودة الفنان لا تعني أبدًا وجود تأثير سلبي على أي جيل صغيرًا كان أو كبير، لا سيما أن الفنان الحقيقي يعرف كيف يخلق مكانه، والزمن كفيل بمنح كل منهم المساحة التي يستحقها، وأنا شخصيًا سعيد بعودة أسماء مثل أحمد حلمي، ويوسف الشريف، وهاني سلامة، وأتمنى أن يجدوا معالجات فنية حقيقية تضمن لهم الاستمرارية على الساحة، لا مجرد حضور مؤقت.
يوضح "الشناوي" أن عودة الفنان بعد غياب تشير إلى وجود رغبة من السوق والجمهور في استعادته، قائلًا: "الفنان يمثّل جزءًا من معادلة العرض والطلب، لذا حين يعود بعد غياب، فهذا أمر يعكس حاجة السوق لرؤيته مجددًا، ووجود مساحة درامية يمكنه أن يملأها".
وشدّد الناقد المصري على أهمية وعي الفنان بموقعه الحالي على الخريطة الفنية، قائلاً: "العلاقة بين الفنان والميديا علاقة دائمة، لذلك من المهم أن يدرك كل فنان أين يقف اليوم، وما المسارات التي تناسبه في هذه المرحلة من مسيرته، أحيانًا يكون الأنسب له أن يظهر كبطل مطلق، وأحيان أخرى قد يكون دوره كضيف شرف هو الأذكى، أو حتى كبطل ضمن عمل جماعي فالمعيار الحقيقي لنجاح الممثل هو الاستمرارية ذلك ما يحدد عمره الفني".
واختتم "الشناوي" حديثه بالتأكيد على أن المرونة والتنوع في اختيارات الفنان هي التي تضمن بقاءه ضمن دائرة التأثير، بعيدًا عن فكرة البطولة المطلقة كمقياس وحيد للنجاح.
سامية حبيب: عودة الكبار مشروطة بالتجديد
تؤكد الناقدة المصرية سامية حبيب أن عودة أي نجم سينمائي حقق نجاحات سابقة في عالم الفن أمر طبيعي ومُرحب به، بشرط أن تكون تلك العودة مدعومة بأفكار جديدة وتجارب متطورة، تواكب التغيرات التي طرأت على المشهد السينمائي المصري خلال السنوات الأخيرة.
وتضيف لموقع "القاهرة الإخبارية" أن السينما المصرية تحتاج للاستمرار والانتعاش، وتعيش حاليًا حالة من التنوع والانفتاح على مختلف الاتجاهات الفنية، فقد اعتدنا أن تكون السينما المصرية حاضنة لكل الموضوعات سواء الدرامية أو التاريخية أو الرومانسية أو السياسية أو حتى الكوميدية، فهي سينما ذات تاريخ عريق يمتد لأكثر من قرن ونصف القرن.
وشدّدت على أن نجاح عودة النجوم لا يُقاس فقط بأسمائهم أو شهرتهم، بل يرتبط بقدرتهم على مواكبة التطوير الذي تشهده الصناعة، قائلة: "خلال السنوات الأربع الماضية، شهدت السينما المصرية ضخ دماء جديدة في مجالات الكتابة، والإخراج، والتمثيل، وبالتالي، فإن عودة أي نجم ينبغي أن تكون مشروطة بالتجديد، وأن تعتمد على تقنيات وأساليب حديثة، وإذا ما استطاعوا مواكبة التغيير، فستكون عودتهم بمثابة انتعاشه جديدة تُضيء السينما المصرية".
ونوّهت الناقدة المصرية إلى بروز أسماء جديدة في الساحة، سواء على مستوى الموضوعات أو الإخراج، مشيرة إلى صعود مخرجين باتوا يحظون بمكانة متميزة مثل: "بيتر ميمي، وخالد منصور، وكريم شعبان، وعمر المهندس"، قائلة: "هذا التيار الجديد إذا تم تعميقه وتطويره، سيمهّد لعودة حميدة وناجحة للنجوم الكبار ضمن سياق معاصر ومواكب".