النجمات بين الماضي والحاضر.. هل ما زلن قادرات على تصدر البطولة السينمائية؟
النقاد: البطولة النسائية ليست جديدة لكنها محفوفة بالتحديات
في موسم سينمائي مرتقب تخرج بعض النجمات من خلف الكواليس ليعدن إلى الواجهة بكل ثقة، كأنهن يعلنَّ "لم تنتهِ الحكاية بعد!" فالسينما، التي طالما احتفت بوجوه نسائية صنعت المجد وملأت القلوب حضورًا، تعود اليوم لتتصدر النجمات البطولة النسائية المطلقة، لكن، هل يكفي الحنين وحده لإعادة بريق النجمات أم أن المعادلة تغيرت؟، والجمهور لم يعد كما كان؟.. بين التحديات والإصرار نفتح هذا الملف لنتأمل مشهدًا سينمائيًا يتغير، ونقرأ ما وراء عودة النجمات صعودًا، رهانًا، وربما انتصارًا.
ونستعرض أبرز تجارب النجمات العربيات في السينما، خلال الفترة الأخيرة، ونرصد آراء النقاد حول واقع البطولات النسائية، وما إذا كانت السينما العربية على أعتاب مرحلة جديدة تستعيد فيها النجمات موقعهن في الصفوف الأولى.
منى زكي.. سيرة "الست"
تعود النجمة منى زكي إلى السينما بعمل فني استثنائي يحمل عنوان "الست"، يعيد إحياء سيرة كوكب الشرق أم كلثوم، في ذكرى مرور خمسين عامًا على رحيلها. الفيلم إخراج مروان حامد وكتابة أحمد مراد، ويُتوقع أن يقدم رؤية مختلفة لشخصية ارتبطت بالذاكرة العربية.
وأكد أحمد مراد لـ"موقع القاهرة الإخبارية" أن العمل يُمثل تجربة ممتعة وصعبة"، قائلًا: "منى زكي تمتلك الإمكانات والوعي الفني لتجسيد شخصية بحجم أم كلثوم فهي سيدة غنية بالتفاصيل، ونأمل أن يلقى الفيلم إعجاب الجمهور بقدر أهمية القصة والجهد المبذول في تقديمها".
وتعود ياسمين عبدالعزيز بعد غياب سبع سنوات بفيلم "زوجة رجل مش مهم"، الذي يجمع بين الأكشن والكوميديا، إخراج معتز التوني.
أما منة شلبي، فتطل في "هيبتا.. المحاضرة الأخيرة" إخراج هادي الباجوري، في عمل يمزج بين التشويق والمشاعر الإنسانية.
بينما دنيا سمير غانم تعود بفيلم "روكي الغلابة"، الذي يجمعها بمحمد ممدوح ومحمد ثروت، في إطار من الكوميديا والمغامرة، إخراج أحمد الجندي.
وتخوض زينة، بطولة "بنات الباشا" للمخرج ماندو العدل، المستوحى من رواية لنورا ناجي، ويتناول قضايا المرأة من منظور اجتماعي واقعي.
سامية حبيب: ظاهرة ليست جديدة
قالت الناقدة المصرية سامية حبيب، لموقع "القاهرة الإخبارية" تعليقًا على عودة النجمات إلى المشهد السينمائي، إن تصدر النجمات لأدوار البطولة المطلقة ليس ظاهرة جديدة في السينما المصرية، بل هو جزء من تاريخ طويل شهد تألق العديد من النجمات مثل شادية وفاتن حمامة، مؤكدة أن النجاح السينمائي يعتمد على جودة السيناريو وطبيعة الدور، إضافة إلى الأداء التمثيلي والإخراج، ولا يتوقف فقط على الأسماء.
وأضافت أن النجاح لا يرتبط فقط بوجود نجم أو نجمة، بل في تقديم قصة ذات قيمة فنية وتقديمها بطريقة متكاملة، مشيرة إلى أن الجمهور اليوم أصبح أكثر وعيًا في اختياراته السينمائية، إذ يبحث عن العمل الفني الذي يتسم بمضمون قوي وأداء تمثيلي مميز.
معايير السوق
أشارت الناقدة المصرية إلى أن معايير السوق السينمائية حاليًا أصبحت أكثر صعوبة وتعقيدًا، إذ لا يمكن الحكم عليها بمعايير ثابتة، ويظل النجاح مرهونًا بعوامل متعددة، مثل القصة المتكاملة والمحتوى الفني الرفيع، وكذلك تفاعل الفيلم مع التطورات التكنولوجية وذائقة الجمهور الحديثة.
وأكدت أن السينما المصرية بحاجة إلى موازنة دقيقة بين الإبداع الفني والتقنيات الحديثة، وهذا ما سيؤهلها لاستقطاب جمهور واسع في المستقبل، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد بالأفلام الشبابية التي تحظى بشعبية كبيرة، الفترة الأخيرة.
طارق الشناوي: النجمات غير قادرات على تحمل البطولة المطلقة
أكد الناقد الفني طارق الشناوي، لموقع "القاهرة الإخبارية "، أن معظم نجمات الساحة الفنية حاليًا غير قادرات على تحمل تبعات البطولة المطلقة، مشيرًا إلى أن التجارب أثبتت أن النجمة - في الغالب - لا تحقق نفس النجاح الجماهيري أو الإيرادات التي يحققها الرجال.
وأضاف: "هذه ليست ظاهرة مصرية فحسب، بل عالمية، إذ تعاني نجمات هوليوود فجوة في الأجور مقارنة بنظرائهن من الرجال، رغم ارتباط الأجر أساسًا بمدى قدرة الفنان على جذب الجمهور إلى شباك التذاكر".
وأكد "الشناوي" أن هذه الفجوة في مصر تبدو أكثر وضوحًا، رغم أن السينما المصرية بدأت على أكتاف النساء، مشيرًا إلى رائدات مثل عزيزة أمير وآسيا، والنجمة ليلى مراد، التي كانت في زمنها الأعلى أجرًا، ليس فقط محليًا، بل على مستوى عالمي، قائلًا: "في الخمسينيات، كانت فاتن حمامة تتقاضى 5 آلاف جنيه بينما كانت ليلى مراد تحصل على 16 ألفًا".
وأوضح أن أسماء مثل شادية، سعاد حسني، نادية الجندي، ونبيلة عبيد، شكلن سابقًا نجمات شباك بلا منازع، لكن تلك المرحلة تراجعت مع دخول موجة الأفلام الكوميدية، التي عززت من نجومية الممثلين الرجال، بينما بدأت نجمات في الاكتفاء بأدوار ثانوية أو موازية.
ورغم هذا التراجع، أشار "الشناوي" إلى وجود محاولات لافتة من بعض النجمات مثل منى زكي، هند صبري، منة شلبي، وياسمين عبد العزيز، التي حملت مشروع البطولة المطلقة، وحققت نجاحات نسبية، لكن التوقف أو الغياب الطويل حال دون ترسيخها كنجمة شباك دائمة.
وختم الشناوي تصريحاته، أن السوق تُحكمه شباك التذاكر، قائلًا: "المنتج لا يغامر إلا بما يضمن له عائدًا، وإذا نجحت بطولة نسائية في تحقيق أرقام قوية، فسيتغير التوجه فورًا نحو المزيد منها، المعادلة بسيطة لكنها شائكة: مَن يجذب الجمهور يحكم السوق؟".
عصام زكريا: خطوة في الاتجاه الصحيح
قال الناقد المصري عصام زكريا، لموقع "القاهرة الإخبارية "، إن عودة البطولات النسائية إلى السينما أمر إيجابي جدًا وضروري، مؤكدًا أن وجود أفلام تقودها نساء يُمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، خاصة في ظل سيطرة الرجال على مساحة كبيرة من المشهد الفني بالوطن العربي.
وأضاف: "السينما كانت دائمًا مجالًا مفتوحًا للنساء، خصوصًا في بدايات السينما المصرية، إذ كانت السيدات في موقع الريادة، لكن هذا الحضور تراجع كثيرًا مع مرور الوقت، ونحن نشهد الآن محاولات لإعادة النجمات إلى الواجهة، وهو أمر مبشر".
ويرى عصام زكريا، أن المشكلة لا تكمن في الصناعة نفسها أو في نوعية الأفلام، بل في جمهور السينما الحالي الذي يغلب عليه الطابع الذكوري، قائلًا: "الرجال يُشكلون النسبة الأكبر من رواد السينما اليوم، بعكس جمهور التلفزيون والمنصات الرقمية الذي يضم نسبة كبيرة من النساء، لذلك يخشى كثير من المنتجين تقديم أفلام نسائية، لأنهم يظنون أن جمهورهم يميل أكثر للأكشن والكوميديا الذكورية".
وأوضح أن السنوات الأخيرة شهدت تغيرًا نسبيًا في هذا الاتجاه، قائلًا: "رأينا جمهورًا نسائيًا يظهر بوضوح مع بعض الأفلام مثل فيلم الهوى سلطان، للفنانة منة شلبي، وحاليًا هناك تجارب مختلفة ظهرت وتستعد لعرضها في السينمات، تقريبًا أكثر من 6 أفلام ببطولات نسائية، وأتمنى أن تنجح، لأنها قد تفتح الباب لوجود أقوى للمرأة في السينما والمجتمع".
وأكد أن نجاح البطولات النسائية لا يقتصر فقط على الحضور، بل على تقديم رؤى وموضوعات مختلفة، قائلًا: "نحتاج إلى أفلام تطرح وجهات نظر نسائية حقيقية، وهذا يتطلب سيناريوهات مكتوبة بعناية ومخرجين يمتلكون حساسية فنية في التعامل مع الشخصيات والمضامين".
وختم حديثه: "لدينا في مصر نجمات متميزات مثل منى زكي ومنة شلبي وغيرهن، وهن قادرات تمامًا على حمل أفلام ناجحة، بشرط أن تُمنح لهن الفرص المناسبة لإبراز قدراتهن التمثيلية".
ماجدة خير الله: محاولات جادة لفرض الوجود النسائي
تؤكد الناقدة الفنية ماجدة خير الله، لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن حضور النجمات في أدوار البطولة المطلقة لم يعد مقتصرًا على الدراما التلفزيونية فقط، بل بدأ يمتد تدريجيًا إلى السينما، في ظاهرة تعتبرها تطورًا إيجابيًا في صناعة الفن السابع.
وتشير إلى أن هناك محاولات جادة ومبشرة لفرض الوجود النسائي بقوة على الشاشة الكبيرة، من خلال أعمال تضع المرأة في قلب الحدث، سواء من حيث القصة أو الأداء، وتستشهد بأفلام مثل "الهوي سلطان" بطولة منة شلبي، و"رحلة 404" لمنى زكي، باعتبارها نماذج على هذا الاتجاه المتصاعد.
وترى أن هذه الأعمال لا تقتصر فقط على تقديم بطلات معروفات، بل تسعى أيضًا إلى تناول قضايا إنسانية ومجتمعية من منظور نسائي، ما يضفي على السينما تنوعًا وغنى في الموضوعات والرؤى.
وتؤمن "خير الله" بأن نجاح البطولة النسائية في الدراما خلال السنوات الماضية، شجع صنّاع السينما على منح المرأة مساحة أوسع في الأعمال السينمائية، وهو ما يعكس تطورًا في نظرة الصناعة إلى دور المرأة، ليس فقط كممثلة، بل كمحور سردي يمكن أن يقوم عليه العمل بأكمله.