الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من مساكن شعبية لقمة السلطة.. ألبانيز يكتب فصله الثاني في دفتر زعامة أستراليا

  • مشاركة :
post-title
أنتوني ألبانيز رئيس الوزراء الأسترالي

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

يقف أنتوني ألبانيز كاستثناء نادر في المعادلة السياسية الأسترالية المعاصرة، فهو رجل وُلد من رحم المعاناة، وتربى في مساكن شعبية، وتمكن من أن يصبح أول رئيس وزراء منذ أكثر من عقدين يبقي حزبه إلى السلطة لدورتين انتخابيتين متتاليتين.

لم يكن فوزه مجرد أرقام انتخابية أو مقاعد برلمانية، بل قصة شخصية استثنائية تجسّدت في وعده القديم: "لن يُترك أي أسترالي خلف الركب"، وبين طموحات الإصلاح، وتحديات التضخم، ومعركة تاريخية لمكانة السكان الأصليين، يجد ألبانيز نفسه اليوم قائدًا لفصل جديد في تاريخ أستراليا، فصل يكتبه من موقع القوة، لا ينسى فيه جذوره.

عودة للزعامة المتواصلة

في السبت 3 مايو 2025، أعلن فوز أنتوني ألبانيز بولاية ثانية رئيسًا لوزراء أستراليا، ليصبح أول زعيم في البلاد منذ جون هوارد يحقق فوزين انتخابيين متتاليين، وهو إنجاز لم يتحقق منذ عام 2004.

هذا الانتصار لا يحمل فقط بعدًا سياسيًا، بل أيضًا دلالة رمزية على صمود القيادة في وجه تقلبات السياسة الأسترالية، التي شهدت ستة رؤساء وزراء خلال العقدين الأخيرين، فبينما كانت التغييرات الداخلية تطيح بالقادة قبل كل جولة انتخابية، جاء ألبانيز ليكسر النمط، مُنهيًا ولايته الأولى بالكامل، ويعود منتصرًا ببرنامج إصلاحي معتدل.

من الهامش إلى القمة

ولد ألبانيز لأم تعاني إعاقة حركية، ونشأ في مساكن شعبية في سيدني، في ظروف اقتصادية صعبة، وشكّلت تلك النشأة رؤيته السياسية، فلطالما حمل همّ "العدالة الاجتماعية" في قلب برامجه الانتخابية.

قال "ألبانيز" عشية الانتخابات الأخيرة: "هناك الكثير من الناخبين المترددين، أمامنا جبل لنتسلقه، لم يُعاد انتخاب أحد منذ عام 2004"، فبدت كلماته وكأنها تذكير حذر بمسار سياسي لا يخلو من العقبات، لكنها كانت أيضًا تلميحًا إلى التغيير النادر الذي تحقق فعلًا، وفق "ذا جارديان".

لطالما شكّلت عبارة "لن يُترك أي أسترالي خلف الركب" شعارًا مركزيًا في خطاب ألبانيز، هذا المبدأ كان محوريًا في حملته الأولى، واستمر في الولاية الثانية.

عكست حكومته هذا الالتزام منذ اللحظة الأولى، حين قررت في عام 2023 المضي قدمًا في استفتاء تاريخي لإنشاء "هيئة استشارية للسكان الأصليين في البرلمان"، عُرفت باسم "الصوت".

ورغم أن الاستفتاء رُفض شعبيًا، إلا أن المبادرة كانت محاولة جريئة لمواجهة إرث التمييز المزمن الذي يعاني منه السكان الأصليون، الذين يشكلون نحو 4٪ من سكان أستراليا.

الاتهامات لم تغب عن حكومته، حيث انتقد البعض هذه الخطوة واعتبروها "نخبوية" أو "بعيدة عن واقع الطبقة العاملة"، خاصة في ظل أزمة التضخم وغلاء المعيشة، كما نقلت وسائل إعلام محلية ودولية، منها شبكة "سي إن إن" الأمريكية.

سياسة الطاقة

تُعد سياسة الطاقة أحد أبرز الملفات التي تُميز حزب العمال، الذي يقوده ألبانيز، عن الحزب الليبرالي المحافظ، فرغم اتفاق الطرفين على هدف الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050، فإن السبيل إلى هذا الهدف يختلف جذريًا.

في خطابه عقب إعلان النتائج، شدّد ألبانيز على أن استراتيجيته في الطاقة "لا تتعلق بالبيئة فقط، بل بعدالة الفرص الاقتصادية"، مؤكدًا عزمه المضي في إصلاحات تضمن تحولًا عادلًا يطال جميع المواطنين.

عرفت أستراليا فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، حيث تناوب ستة رؤساء وزراء على الحكم منذ مغادرة جون هوارد لمنصبه عام 2007. بعضهم، مثل كيفن رود، شغل المنصب مرتين، بعد إقالة زعيمين حزبيين داخل حزبه.

لكن "ألبانيز" استفاد من إصلاحات داخلية مهمة أجراها حزب العمال عام 2013، حيث جُعلت عملية تغيير الزعيم أكثر صعوبة، فاليوم، يجب أن يوافق 75٪ من نواب الحزب على الإطاحة بزعيمه، كما أصبح لأعضاء الحزب العاديين حق التصويت المباشر في ذلك.

هذه التعديلات، إلى جانب تغييرات مماثلة في الحزب الليبرالي، حدّت من "الانقلابات الحزبية"، وسمحت لألبانيز بأن يكون أول رئيس وزراء منذ هوارد يتم ولايته ويُعاد انتخابه.

الزواج في السلطة

على الصعيد الشخصي، كشف "ألبانيز" أنه يعتزم الزواج من خطيبته جودي هايدون، ليصبح أول رئيس وزراء أسترالي يتزوج أثناء وجوده في المنصب، وكان قد تقدم لخطبتها في عيد الحب من العام الماضي، لكنهما أجّلا الحفل "حتى لا يبدو الأمر بعيدًا عن واقع المواطنين الذين يعانون أزمات معيشية"، كما قال.

لكن بعض الانتقادات طالت رئيس الوزراء على خلفية شرائه منزلًا بقيمة 4.3 مليون دولار أسترالي (نحو 2.7 مليون دولار أمريكي) على شاطئ كوباكابانا، وهو ما اعتبره البعض "تناقضًا" مع صورته كرجل قادم من الفقر، ورد ألبانيز على ذلك بتصريح لقي تفاعلًا واسعًا، قال فيه: "أدرك أنني محظوظ، كما أعرف معنى المعاناة".