الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حرب العمالقة.. صراع اقتصادي أمريكي-صيني بلا قنوات اتصال

  • مشاركة :
post-title
العلمان الصيني والأمريكي

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تشهد العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين تصعيدًا غير مسبوق في الحرب التجارية، مع غياب شبه تام للقنوات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين. في هذا الصدد، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن كلا البلدين يستعدان لمواجهة اقتصادية طويلة الأمد، حيث وصل الأمر إلى حد عدم اتفاق القوتين العالميتين على ما إذا كانت المحادثات بينهما جارية من الأساس.

انقطاع قنوات الاتصال الرسمية

في مؤشر بارز على عمق الأزمة الدبلوماسية، أظهرت "نيويورك تايمز" حالة من التناقض والارتباك في تصريحات مسؤولي البلدين. فخلال مؤتمر اقتصادي في البيت الأبيض، تجنب وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت الإجابة عدة مرات عن سؤال حول ادعاء الرئيس ترامب بأن الرئيس الصيني شي جين بينج اتصل به، مكتفيًا بالقول ممازحًا: "لدي الكثير من المهام في البيت الأبيض، لكن إدارة لوحة الاتصالات ليست واحدة منها".

في المقابل، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هوو جياكون، بشكل قاطع وجود أي اتصالات، مصرحًا: "لم تجرِ الصين والولايات المتحدة مشاورات أو مفاوضات بشأن مسألة التعريفات الجمركية"، محذرًا الولايات المتحدة من "تضليل الرأي العام".

وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة التجارة الصينية قالت الجمعة الماضية إنها تدرس عقد محادثات مع إدارة ترامب بعد محاولات متكررة من كبار المسؤولين الأمريكيين لبدء المفاوضات، لكن مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الخزانة لم يعلقوا على ما إذا كان مثل هذا التواصل قد حدث.

التصعيد الجمركي

فرض الرئيس ترامب في الثاني من أبريل ما أسماه بالتعريفات الجمركية "المتبادلة" على الدول التي يعتقد أنها تمارس حواجز تجارية واقتصادية غير عادلة، وتم تعليق تلك الرسوم لمدة 90 يومًا لإعطاء الدول وقتًا للتوصل إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة.

وفي خطوة تصعيدية، رفع ترامب الشهر الماضي التعريفات الجمركية على الواردات الصينية إلى حد أدنى بلغ 145 بالمئة، في محاولة لإجبار الصين على الدخول في مفاوضات تجارية.

وردًا على ذلك، فرضت بكين تعريفات جمركية على المنتجات الأمريكية، وشددت القيود على صادرات المعادن والمغناطيسات الضرورية للعديد من الصناعات الأمريكية.

وبدأت الآثار الاقتصادية لهذه المواجهة تظهر جليًا، حيث خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في البلدين والعالم، محذرًا من أن التعريفات الجمركية زادت من احتمالية حدوث تباطؤ اقتصادي، كما كشفت البيانات الحكومية الصادرة مؤخرًا عن تباطؤ النشاط الصناعي الصيني في أبريل وضعف النمو في الولايات المتحدة خلال الربع الأول من العام.

تباين أسلوب التفاوض بين النظامين

يبدو أن أسلوب الرئيس ترامب الشخصي في التعامل مع الأزمة يتعارض تمامًا مع النهج الصيني الرسمي، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى تسوية، إذ ذكرت "نيويورك تايمز" نقلًا عن كريج ألين، الخبير في معهد آسيا سوسيتي للسياسات، أن "النهج الشخصي للغاية الذي يتبعه الرئيس ترامب، الذي يرغب في التفاوض مباشرة مع الرئيس شي، لا يتوافق مع النظام الصيني على الإطلاق".

وأضاف ألين، الذي كان حتى وقت قريب رئيسًا لمجلس الأعمال الأمريكي-الصيني، أن "النظام الصيني يعتمد على مفاوضات تتم بعناية وتخضع للرقابة والسيناريوهات المعدة مسبقًا، وعندما تصل إلى مرحلة القيادة تكون مُنسقة بشكل كبير".

وخلال فترة إدارة بايدن، عمل مسؤولو وزارة الخزانة مع الصين لإنشاء مجموعات عمل اقتصادية ومالية من الموظفين متوسطي المستوى، بهدف منع التوترات المتعلقة بالتعريفات الجمركية وضوابط التصدير من الخروج عن السيطرة، لكن يبدو أن هذه القنوات الاتصالية غير مستخدمة في إدارة ترامب، التي تميل إلى اعتبارها مضيعة للوقت.

استراتيجية الانتظار

يعتقد مايكل بيلسبري، أحد كبار مستشاري ترامب للشؤون الصينية خلال فترة ولايته الأولى، أن بكين على الأرجح تنتظر لمعرفة كيف ستبدو الصفقات التي تبرمها إدارة ترامب مع دول أخرى مثل الهند واليابان قبل الانخراط مباشرة في المحادثات.

وصرح بيلسبري للصحيفة: "إنهم لا يريدون بدء المحادثات الرسمية لأنهم يريدون معرفة النتائج النهائية من الآخرين أولًا"، مشيرًا إلى أن المعركة التجارية أصبحت نقطة فخر وطني كبيرة للصين، وأنها تعتقد أن مطالب ترامب، التي لا تفهمها بكين بشكل كامل، ستلين مع تقلب الأسواق الأمريكية واقتراب انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة.

وختم بيلسبري تحليله للموقف قائلًا: "التأخير يصب في مصلحتهم بشكل كبير، والصفقة السريعة تصب في مصلحة ترامب بشكل كبير".

مستقبل المواجهة الاقتصادية

يرى الخبراء أن المأزق الحالي قد يكون أكثر طولًا واستمرارًا مقارنة بالحرب التجارية خلال الولاية الأولى لترامب، وذلك لأن التعريفات الجمركية أعلى وكلا الجانبين يعتقد أنه يحقق الفوز.

وإذا استمر النمو الأمريكي في التباطؤ بينما بدأت الأسعار في الارتفاع، فقد يضيف ذلك إلى الإلحاح على ترامب لبدء محادثات حقيقية مع الصين.

وفي هذا السياق، صرح ويلبر روس، الذي شغل منصب وزير التجارة في عهد ترامب خلال فترة ولايته الأولى، أنه "في مرحلة ما، علينا أن نمنحهم مخرجًا لطيفًا"، سواء كان ذلك من خلال اتصال أحد من الجانب الأمريكي بهم أولًا أو مجرد تعيين من سيكون الممثل الرئيسي للولايات المتحدة.

وبينما تركز إدارة ترامب حاليًا على صفقات تجارية مع حوالي 18 من أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الخاضعين للتعريفات الجمركية "المتبادلة"، أشار بيسنت إلى أن المحادثات مع الصين ستسير في مسار منفصل عن المفاوضات الأخرى، لكن ترامب لم يعين أو يفوض رسميًا أي مسؤول أمريكي للتفاوض باسمه مع الصين، مما يجعل المسؤولين الصينيين يعتقدون أن إدارة ترامب غير مستعدة أو غير جادة بشأن المحادثات التجارية.