تتواصل التحركات المبكرة تجاه الانتخابات الرئاسية في فرنسا المقررة عام 2027، وكشف وزير العدل جيرالد دارمانين عن طموحاته للترشح للرئاسة، في وقت بدأ فيه السباق نحو قصر الإليزيه يأخذ شكلًا واضحًا قبل عامين من موعد الاستحقاق الانتخابي، وذلك مع استحالة ترشح الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون لولاية ثالثة بموجب الدستور.
أعلن "دارمانين" صراحةً عن رغبته في تولي منصب الرئاسة، مؤكدًا في تصريحات نقلتها شبكة "فرانس إنفو" الفرنسية، أنه "يعمل" على إعداد برنامج انتخابي متكامل، في حين سبق له أن صرح للإذاعة العامة الفرنسية أمس الأربعاء بأنه يرغب في "التأثير بعمق" في البلاد "في وقت تعاني فيه الأمور من تعقيدات بالغة بالنسبة للشعب الفرنسي".
وأكد مصدر مقرب من وزير العدل لمجلة "بوليتيكو"، أن دارمانين يضع عينه بالفعل على قصر الإليزيه، مشيرًا إلى تغيير ملحوظ في طريقة حديثه عن سباق 2027.
وقال المصدر: "اعتاد دارمانين أن يقول إن له دورًا سيلعبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.. أما الآن، فهو يقدم تحديثات حول موقفه في هذه العملية، مصرحًا بأنه يرغب في الترشح وأنه يعد نفسه لذلك".
وكشف المصدر عن أن وزير العدل سيتخذ "خطوة أبعد" في تحديد خططه، خلال مقابلة قادمة على برنامج حواري شهير على منصة يوتيوب، ما يشير إلى تصاعد وتيرة تحركاته السياسية.
ساحة مزدحمة
سينضم دارمانين -حال ترشحه رسميًا- إلى ساحة مزدحمة بالفعل بالسياسيين من تيار الوسط واليمين الذين يطمحون لخلافة ماكرون في الرئاسة، وباعتباره عضوًا سابقًا في حزب الجمهوريين المحافظ قبل أن ينتقل لدعم ماكرون بعد فوزه الرئاسي عام 2017، يصر دارمانين على ضرورة بقاء التحالف يمين الوسط الذي يدعم الحكومة حاليًا متحدًا قبل الانتخابات المقبلة؛ لمواجهة التحديات من المعارضين اليساريين واليمين المتطرف.
وأبدى دارمانين مرونة سياسية من خلال تصريحاته المتكررة بأنه سيكون منفتحًا على دعم مرشح آخر يتفق معه أيديولوجيًا إذا كان في وضع أفضل للفوز، ما يعكس وعيه بضرورة توحيد الصف الوسطي لمواجهة التحديات السياسية المتزايدة.
المنافسة مع فيليب
ويبرز رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب كأحد أبرز المنافسين المحتملين لدارمانين ضمن معسكر الوسط واليمين المعتدل، إذ إن عمدة مدينة لوهافر البالغ من العمر 54 عامًا، والذي شغل منصب رئيس الوزراء في عهد ماكرون من 2017 إلى 2020، أعلن بالفعل ترشحه للرئاسة ويتمتع بنسبة تأييد أعلى من دارمانين في العديد من استطلاعات الرأي، وفقًا للتقارير الإعلامية.
وفي تطور لافت يعكس تغير المواقف السياسية، كان دارماناين صرح في مقابلة أجراها عام 2023 مع وسيلة الإعلام الإلكترونية "بروت" بأنه "يتمنى أن يكون فيليب حامل راية معسكرهم في 2027"، واصفًا إياه آنذاك بأنه "الأفضل موقعًا" للفوز في الانتخابات.
موقف دارمانان تغير مؤخرًا، فعندما سُئل عن ترشح فيليب أمس الأربعاء، أشار إلى جذوره المنتمية للطبقة العاملة في محاولة للتمييز بينه وبين منافسه المحتمل، مؤكدًا أن خلفيته يمكن أن تجعله "أكثر حساسية للقضايا الاجتماعية".
نقطة خلاف رئيسية
يظهر ملف إصلاح نظام التقاعد كنقطة خلاف جوهرية بين دارمانين وفيليب، إذ سلط وزير العدل الضوء على معارضته لاقتراح فيليب برفع الحد الأدنى لسن التقاعد إلى 67 عامًا، وهي خطوة من المرجح أن تثير رد فعل كبير نظرًا لمدى إثارة إصلاح نظام المعاشات للجدل في فرنسا.
وأشار دارمانين إلى أن هذه الخطوة ستكون غير عادلة بالنسبة لأفراد عائلته الذين يعملون في وظائف يدوية، ما يعكس محاولته لتقديم نفسه كمدافع عن مصالح الطبقة العاملة، في مقابل صورة فيليب كتكنوقراطي أكثر ميلًا للإصلاحات الاقتصادية الليبرالية.
وذكر دارمانين أنه من المقرر أن يتناول الغداء مع فيليب يوم الأربعاء، وهو اجتماع من المرجح أن تكون الطموحات الرئاسية محورًا رئيسيًا فيه، وفق المؤشرات السياسية.
مستقبل "الماكرونية"
تشير "بوليتيكو" إلى أن تنافس شخصيات مثل دارمانين وفيليب داخل معسكر ماكرون يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل التيار السياسي الذي أسسه ماكرون والذي غيّر خريطة السياسة الفرنسية منذ 2017.
وبينما يمثل فيليب استمرارية أكثر وضوحًا لنهج ماكرون الوسطي مع ميول يمينية اقتصادية، يسعى دارمانين لتقديم نفسه كبديل يمكنه الجمع بين قيم الوسط السياسي وحساسية أكبر للقضايا الاجتماعية.
ويرى محللون سياسيون أن معركة الخلافة داخل معسكر ماكرون ستحدد إلى حد كبير قدرة هذا التيار السياسي الحديث نسبيًا على البقاء والاستمرار بعد رحيل مؤسسه عن المشهد الرئاسي، خاصة في ظل الاستقطاب المتزايد بين اليمين المتطرف واليسار في المشهد السياسي الفرنسي.