مع تحذيرات وزير الدفاع الباكستاني حول التوغل العسكري الهندي الوشيك للأراضي الباكستانية، على خلفية هجوم باهالجام الإرهابي، تصاعدت المخاوف من حدوث حرب شاملة تنتهي بصراع نووي مدمر بين الجارتين النوويتين، ستكون عواقبه كارثية بكل المقاييس.
ويوم الأربعاء الماضي، فتح مسلحون يرتدون الزي العسكري النار عشوائيًا على عشرات السياح، في منطقة باهالجام المعروفة باسم "سويسرا الصغيرة"، بسبب طبيعة الجبال الخلابة، داخل مقاطعة أنانتناج الهندية، حيث ظهروا فجأة من التلال المجاورة وفروا عقب ارتكاب الجريمة.
توتر متصاعد
وأعلنت جبهة المقاومة، وهي فرع محلي لمنظمة لشكر طيبة التي تعتبرها الهند إرهابية وتتمركز في باكستان، مسؤوليتها عن الهجوم، الذي أسفر عن مقتل 29 شخصًا وإصابة 12 آخرين بينهم أجنبيين، ووجهت الحكومة الهندية أصابع الاتهام إلى جارتها باكستان، بسبب ما وصفته بدعمها للإرهاب عبر الحدود، واتخذت العديد من القرارات أبرزها طرد المستشارين العسكريين الباكستانيين، وإغلاق نقاط تفتيش بين البلدين.
وخلال الساعات الماضية، أطلق وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف تحذيرات، بحسب رويترز، حول وجود معلومات استخباراتية موثوقة تفيد بتوغل عسكري هندي وشيك، وأن الهند تستعد لشن هجوم عسكري ضدها خلال فترة تتراوح بين 24 و36 ساعة، وهو يتطابق مع تصريحات رئيس الوزراء الهندي بأن الإرهابيين وداعميهم - في إشارة إلى باكستان- سيُعاقبون عقابًا يفوق طاقاتهم.
هذا التصاعد الكبير في نبرة الصراع الوشيك، أثار مخاوف من إمكانية خروج الحرب عن السيطرة، نظرًا لكون الهند وباكستان قوتين نوويتين، فهل يمكن حقًا أن يحدث ذلك الأمر؟ خاصة مع التصريحات الباكستانية المستمرة بعدم استبعاد استخدام الأسلحة التكتيكية النووية ضد هجمات الهند.
عقيدة البداية الباردة
بحسب صحيفة economictimes الهندية، تمتلك الهند استراتيجية لمواجهة ما أسمته "الابتزاز النووي الباكستاني"، يسمى مبدأ "البداية الباردة"، والذي يعني تجنب حرب ساخنة شاملة، وتهدف فقط إلى معاقبة جارتها باكستان مع إبقاء الصراع بينهما دون عتبة الصدام النووي.
ويعني ذلك الأمر أن القوات الهندية ستقوم بتوغل سريع وقوي في باكستان، وفي الوقت ذاته ستكون تلك الضربات محدودة النطاق، وذلك حتى لا تعطي أي ذريعة لباكستان عن الاعتداء على سيادتها لشن رد انتقامي شامل، حيث تعد المفاجأة العسكرية عنصرًا أساسيًا، وفقًا لهم، في مبدأ "البداية الباردة".
بطء تعبئة القوات
انطلقت فكرة "البداية الباردة" من عملية "باراكرام"، التي أُطلقت بعد الهجوم الإرهابي على البرلمان الهندي في ديسمبر 2001، حيث كشفت تلك العملية عن ثغرات كبيرة في القوة الهجومية الهندية، أبرزها بطء تعبئة القوات على طول الحدود، حيث استغرق وصول فيلق الضربات الهندي إلى الحدود قرابة شهر بعد الهجوم.
ذلك الأمر منح باكستان وقتًا كافيًا لاتخاذ تدابير مضادة، وللولايات المتحدة للضغط على الحكومة الهندية آنذاك للتراجع، وكشف الجيش الهندي نفسه عن اتباع تلك العقيدة على لسان قائد الجيش الذي أكد أن النجاح في ترسيخ استراتيجية "البداية الباردة" كان نقلة نوعية في نهج الجيش الهندي خلال إدارة العمليات.
مدمرة للطرفين
ونبعت تلك العقيدة من حقيقة أن باكستان كونها دولة نووية، ستكون الحرب في نهاية المطاف مدمرة للطرفين، ولذلك تمنح الاستراتيجية الهند مهربًا من حتمية الصراع النووي مع باكستان، وإمكانية مهاجمتها دون اندلاع حرب شاملة، كون ما يعرف بضربات "البداية الباردة" محدودة النطاق ولا ترفع درجة الحرارة بما يكفي لإعطاء باكستان سببًا لتعبئة قواتها لحرب شاملة.
الرد الباكستاني
في المقابل، طورت باكستان استراتيجية مضادة لعقيدة "البداية الباردة"، بحسب الصحيفة، تعتمد في جوهرها على سياسة الردع الشامل، والتي تتضمن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد الجنود الهنود لتحقيق النصر في ساحة المعركة بدلًا من ضرب المدن بأسلحة نووية أكبر.
وتمتلك باكستان قنابل ذرية صغيرة زنة 125-250 جرامًا، قد تصيب منطقة مستهدفة في الهند بدقة كبيرة، وفق تصريحات وزير السكك الحديدية الباكستاني السابق شيخ رشيد، والتي تتميز بحجمها أو مداها أو استخدامها لأهداف عسكرية محدودة، وهي التي يشار إليها بـ"الأسلحة غير الاستراتيجية".
عواقب كارثية حتمية
وتتكون الأسلحة النووية التكتيكية الباكستانية بشكل أساسي من صواريخ باليستية قصيرة المدى، حيث غالبًا ما تُركَّب على شكل صواريخ، أو قنابل تُلقى جوًا، أو حتى قذائف مدفعية، وتُسبب تساقطًا إشعاعيًا وآثارًا مميتة أخرى تتجاوز الانفجار نفسه، وصممت للاستخدام في المعارك قصيرة المدى.
ويرى الخبراء، أن مجرد التهديد الباكستاني بالتصعيد النووي، حتى على المستوى التكتيكي، يدفع الهند إلى الحفاظ على رد مدروس في أي صراع محتمل، معتقدين أن الإشارات الباكستانية حول قدرتها وتفوقها النووي، تعتبر رادع فقط، وليس أداة للاستخدام الفعلي في ساحة المعركة، حيث التصعيد الذي لا يمكن السيطرة عليه وعواقب كارثية حتمية.