يتوجه الكنديون، اليوم الاثنين، إلى صناديق الاقتراع لاختيار حكومة جديدة في ظل تصريحات وتهديدات غير مسبوقة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن فرض تعريفات جمركية على أوتاوا، وحديثه المتكرر عن "ضم كندا".
وفي هذا الصدد تشير "بوليتيكو" إلى أنه ما كان في البداية استفتاء على عهد جاستن ترودو الذي استمر عشر سنوات، تحوّل الآن إلى سباق لتحديد من يستطيع أفضل إدارة للعلاقات مع الجار الجنوبي المتقلب.
صراع القيادات
بعد استقالة رئيس الوزراء جاستن ترودو، يخوض حزب الأحرار الكندي الانتخابات بقيادة مارك كارني، المصرفي المركزي السابق، وفي المقابل يقود المعارضة المحافظة بيير بوليفر، الذي فشل في تكييف حملته مع متطلبات السباق الانتخابي المتغير.
ونقلت "بوليتيكو" عن دوج فورد، رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو، انتقاده لبوليفر لعدم استماعه للنصائح التي قدمها له بالتركيز على قضية التعريفات الجمركية، قائلًا: "قبل عدة سنوات، قال جيمس كارفيل، المستشار السياسي الشهير للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون والمعروف بعبارته الشهيرة خلال حملة 1992 "إنه الاقتصاد، أيها الأحمق".. حسنًا، إنها التعريفات، أيها الأحمق. هذا ما هي عليه".
أحد أهم عوامل تقدم حزب الأحرار، هو أن كارني فور توليه المنصب قام بإلغاء ضريبة الكربون الاستهلاكية التي كانت أكثر قضايا ترودو إثارة للانقسام، ما حرم المحافظين من أهم قضية انتخابية كانوا يرتكزون عليها.
الاقتصاد وترامب
كشف استطلاع للناخبين الكنديين أجرته "بوليتيكو/فوكالداتا" أن 60% من المستطلعين يعتبرون تكلفة المعيشة قلقهم الأكثر إلحاحًا، فيما كان ترامب ثاني أهم قضية، حيث أفاد ثلاثة أرباع المستطلعين بأنهم لا يحبون الرئيس الأمريكي.
المعضلة التي يواجهها "بوليفر" هي الفجوة بين قاعدته الانتخابية، التي ترى ترامب أقل أولوية في اهتماماتها، وجمهور أوسع من الناخبين يقاطعون البضائع والسفر الأمريكي، ويظهرون مشاعر وطنية قوية كرد فعل على تهديدات الرئيس الأمريكي.
صحوة وطنية كندية
أدت تصريحات ترامب المتكررة إلى تصاعد المشاعر الوطنية في كندا، حيث انتشرت الأعلام الكندية على السيارات والشاحنات وواجهات المتاجر، مزينة بعبارات مثل "تسوق محليًا" أو "مملوكة كندية بفخر".
كما انتشرت القمصان التي تحمل شعارات "ليست للبيع أبدًا" و"لن نكون الولاية 51"، حتى في مقاطعة كيبيك التي عادة ما تفضل رموزها الخاصة.
تبنى كلا المرشحين الرئيسيين شعارات تومئ إلى التحدي الأمريكي، مثل"كندا أولًا" لبوليفر و"كندا قوية" لكارني، في محاولة لاستثمار المشاعر الوطنية المتصاعدة.
وخلال تجمع انتخابي لبوليفر، غنى الحاضرون النشيد الوطني "يا كندا" مع خفض الأضواء ورفع الأصوات عند كل مرة يأتي فيها مقطع "حر".
تحديات ما بعد الانتخابات
تتصاعد المخاوف في كندا بشأن ردود فعل المقاطعات الغربية المحافظة مثل ألبرتا وساسكاتشوان في حال فوز حزب الأحرار بفترة رابعة.
وأكدت كريستيا فريلاند، وزيرة المالية السابقة، أهمية التأكد من أن "الناس في ألبرتا وساسكاتشوان يشعرون بأن حزب الأحرار يمكن أن يتحدث باسمهم ويفهم مخاوفهم".
المخاوف تتزايد من أن ترامب قد يُصعِّد خطابه حول ضم كندا عندما يكتشف وجود مشاعر انفصالية ولو محدودة، في الجزء الذي يحتوي على الكثير من الطاقة والمعادن التي يرغب فيها.
مستقبل العلاقات الكندية الأمريكية
تشير "بوليتيكو" إلى أن الكنديين يدركون أن التغير في العلاقة مع الولايات المتحدة ليس مؤقتًا، إذ قال توم لونج، الاستراتيجي المخضرم في حزب المحافظين: "سنظل دائمًا جيرانًا، ونأمل أن نكون جيرانًا ودودين، لكن العلاقة الخاصة لم تعد موجودة. لدينا أصول في الشمال تحتاج إلى الدفاع عنها من روسيا والصين وربما الأمريكيين الآن".
وفي تصريح مثير للاهتمام، لم تتردد كريستيا فريلاند، وزيرة المالية السابقة، في الحديث عن احتمال تشكيل تحالف أمني جديد: "أحد المشاريع الكبيرة هو معرفة كيف يعمل الأمن العالمي عندما لا تكون الولايات المتحدة الضامن للعالم الحر"، مشيرة إلى أن تحالفًا جديدًا "يبدأ مع فرنسا والمملكة المتحدة"، قوتين نوويتين.
فرص التعايش
يعتقد دوج فورد أن كارني قد يتمكن من إقامة علاقة "نصف جيدة" مع ترامب، بفضل خلفيته المصرفية والمالية، مشيرًا إلى "تلك المجموعة النيويوركية" التي تضم أيضًا هوارد لوتنيك، الرئيس التنفيذي السابق لشركة كانتور-فيتزجيرالد الذي أصبح وزيرًا للتجارة في إدارة ترامب.
إذا تمكن كارني من أخذ ترامب على محمل الجد والتواصل معه بشكل فعال، فقد يؤدي ذلك على الأقل إلى تخفيف حدة التوتر في العلاقات بين البلدين.
مع اقتراب انتخابات اليوم، نقلت "بوليتيكو" عن إيفان سولومون، مذيع سابق في هيئة الإذاعة الكندية وأصبح الآن مرشحًا لحزب الأحرار في تورونتو، قوله: "كندا هي أول استفتاء على ترامب بين الحلفاء الديمقراطيين".