الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دوافع التصعيد الهندي الباكستاني ومآلاته

  • مشاركة :
post-title
الهند وباكستان

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء التصعيد المتبادل بين الهند وباكستان على خلفية الهجوم الدامي الذي شنَّه مسلحون في إقليم كشمير الخاضع للسيطرة الهندية، فى 22 أبريل 2025، وأسفر عن مقتل ما يقرب من 26 شخصًا معظمهم من السائحين، لتلقي نيودلهي باللائمة على مجموعة يزعم أنها تعمل من باكستان، وتنفي إسلام أباد هذه المزاعم. وهو الأمر الذي يعيد إلى الأذهان التوترات والمواجهات المتتالية بين الدولتين في الإقليم، والذي يعد من بؤر الصراعات المعقدة فى جنوب آسيا، والذي تتداخل فيه العوامل الدينية والثقافية والسياسية منذ عام 1949، بعد أن تدخلت الأمم المتحدة ودشنت خط وقف إطلاق النار، والذي بموجبه أصبح ثلثي مساحة كشمير تحت السيطرة الهندية، والباقي تحت السيطرة الباكستانية.

تصعيد متبادل

تنوعت إجراءات التصعيد الهندي الباكستاني على خلفية الهجوم الأخير في كشمير بالشطر الهندي من قِبل الدولتين، والتى يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

التصعيد بين الهند وباكستان منذ 22 أبريل 2024

(*) الهند: أعلنت الحكومة الهندية عن تعليق العمل بمعاهدة تقاسم مياه نهر السند، وإغلاق المعبر الرئيسي بين البلدين "أتاري- واجا" الحدودى، وعدم السماح للمواطنين الباكستانيين بالسفر إلى الهند بموجب تأشيرات رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، واعتبار مستشاري الدفاع في المفوضية العليا الباكستانية في نيودلهي أشخاص غير مرغوب فيهم، والمغادرة خلال أسبوع، كما أعلنت الهند عن تخفيض عدد مستشاريها في المفوضية العليا الهندية في إسلام أباد من 55 إلى 30، كما سيتم إلغاء جميع التأشيرات لمواطنين باكستانيين ابتداءً من 27 أبريل 2025.

(*) باكستان: أعلنت باكستان أن مستشاري الدفاع البحري والجوي الهنود في إسلام أباد أشخاص غير مرغوب فيهم، وطلبت منهم مغادرة باكستان، وإلغاء التأشيرات الممنوحة للمواطنين الهنود باستثناء الحجاج السيخ، فضلًا عن الإعلان عن أن كل الحدود ستغلق وستتوقف التجارة، كما سيُغلق المجال الجوي أمام شركات الطيران التي تملكها أو تديرها الهند، وأعلنت باكستان أيضًا أنها ستعُد أي محاولة من جانب الهند لوقف إمدادات المياه من نهر السند عملًا حربيًا وسيتم الرد عليها بقوة .

عوامل معقدة

يعكس التصعيد المتبادل بين الهند وباكستان إحدى حلقات الصراع المتجدد في ما يخص إقليم كشمير، والذي يعود للعديد من العوامل المعقدة التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) الأهمية الاستراتيجية لإقليم كشمير: يتميز إقليم كشمير بموقعه الجغرافي والإستراتيجي بين وسط وجنوب آسيا، فهو يشترك في الحدود مع أربع دول هي الهند وباكستان وأفغانستان والصين. وتبلغ مساحته الكلية 86023 ميلًا مربعًا، يقسمه خط وقف إطلاق النار منذ عام 1949، ويُعرف منذ اتفاقية شملا المُوقَّع عليها عام 1972 بخط الهدنة. وتبلغ مساحة الجزء الهندي 53665 ميلًا مربعًا ويسمى "جامو وكشمير"، في حين تسيطر باكستان بطريقة غير مباشرة على 32358 ميلًا مربعًا يعرف باسم ولاية كشمير الحرة (أزاد كشمير) وهناك مساحة صغيرة خاضعة للصين منذ عام 1962 تسمي "أكساي تشين". وإذا كان إقليم كشمير يرتبط بقضية الأمن المائي بالنسبة لباكستان حيث تنبع أنهار باكستان الثلاثة (السند وجناب وجليم) منه، فضلًا عن تعاظم المصالح الاقتصادية من خلال ميناء كراتشي الباكستاني، فإن الهند تنظر إلى الإقليم باعتباره حاجزًا جغرافيًا أمام طبيعة الحكم فى باكستان القائمة على أسس دينية، وبما يحول دون تهديد التماسك الهندي الداخلي فى ظل وجود أقلية مسلمة كبيرة العدد، تقدَّر بـ300 مليون مسلم، فضلًا عن خشية الهند من أن السماح لكشمير بالاستقلال قد يؤدى إلى عدوى المطالبة بتطبيق نفس النهج فى أقاليم هندية تغلب فيها عرقية معينة أو يزيد فيها معتنقو ديانة معينة.

حقائق حول إقليم كشمير

(*) الصراعات الهندية الباكستانية المتكررة: يشكِّل التصعيد الحالي فى الصراع الهندي الباكستاني في إقليم كشمير بمثابة حلقة مستمرة لتفجر المواجهات بين الجانبين، والتي ما تلبث أن تهدأ ثم تتصاعد وتيرتها، وتنوعت تلك المواجهات من الناحية التاريخية ما بين الهند وباكستان، والتى أسهمت في تعقيد الصراع بينهما على مستقبل الإقليم، في ظل عدم القدرة على تسويته بالطرق السلمية.

وشهد الإقليم ثلاث مواجهات فاصلة بين الهند وباكستان، الأولى عام 1947 بعد إعلان مهراجا كشمير الهندوسي عن رغبته في انضمام كشمير إلى الهند، فأعلنت الهند إرسال قوات لحماية الإقليم، وتم الاستيلاء على أجزاء منه. في المقابل تم تشكيل حكومة كشمير الحرة وجيش كشمير وحظي بدعم باكستان. بينما استمر جزء من الإقليم تحت سيطرة الجيش الهندي، تصاعدت التوترات إلى حرب هندية- باكستانية أولى استمرت حتى توقفت فى يناير 1949 بقرار من الأمم المتحدة.

وجاءت المحطة الثانية من الصراع عام 1965، حين تجددت المواجهات الهندية الباكستانية فى أغسطس 1965 قبل أن يتدخل المجتمع الدولي بقرار من مجلس الأمن ليوقف الحرب بين الجانبين في 20 سبتمبر 1965.

ثم تجددت المواجهات الهندية الباكستانية في المحطة الثالثة عام 1971 على خلفية اتهام باكستان للهند بدعم باكستان الشرقية (بنجلاديش) في محاولتها الانفصالية. وظلَّ إقليم كشمير بشطريه الهندي والباكستاني مسرحًا لوقوع العديد من حوادث العنف المتكررة، تخللتها عمليات مسلحة وتفجيرات كان من أبرزها التفجير الانتحاري عام 2019، الذي أودى بحياة أكثر من 40 جنديًا هنديًا، وكاد أن يشعل حربًا شاملة بعدما اتهمت نيودلهى جماعة مدعومة من باكستان بتنفيذه.

(*) توازن القوى الآسيوى: أسهم اشتراك إقليم كشمير بحدود مع أربعة دول -هي: باكستان والهند والصين وأفغانستان- إلى أن يصبح توظيف الصراع على الإقليم ما بين الهند وباكستان فى إطار ما يعرف بتوازن القوى الآسيوى. فتعتقد الهند أن استمرار سيطرتها على إقليم كشمير يعزز من دورها الآسيوى لمواجهة الصعود الصيني.

ومن ناحية أخرى ومع ميل الميزان العسكري لصالح الهند، انعكس ذلك على التفكير الإستراتيجي والعسكري لباكستان، بما أدى لدخول البلدين لسباق تسلح، كان الإعلان عن امتلاك كل منهما للسلاح النووي أحد محطاته، وهو الأمر الذي أسهم في أن يظل إقليم كشمير مسرحًا للمواجهات والتوترات في العلاقات الهندية الباكستانية.

(*) التمايز الثقافي والديني: أسهم التمايز الثقافي والديني فى تعقد الصراع داخل إقليم كشمير الذي يعيش فيه مسلمون يشكِّلون الأغلبية، وكذلك هندوس وسيخ، بما جعل كشمير منطلقًا للتعبير عن الهوية الوطنية والشعور بالانتماء الوطني لدى السكان. وربما مثل قرار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في 2019 بإلغاء الحكم شبه الذاتي والمحدود للشطر الهندى من الإقليم تأكيدًا لتأثير المكون الثقافي والديني، لاسيما أن حزب مودي هو "بهارتيا جاناتا" القومي الهندوسي.

مساران محتملان

على خلفية التصعيد المتبادل بين الهند وباكستان، وهو ما وصل إلى تبادل إطلاق النار على خط الهدنة بين الجانبين، فإن المسار المحتمل لمآلات الصراع يرتبط ببعدين رئيسيين:

(*) المسار الأول، استمرار التصعيد الهندي الباكستاني: في إقليم كشمير بعد إعلان الجانبين الاتهامات المتبادلة والتصعيد السياسي بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، وتنوع الإجراءات العسكرية بينهما، ليبدو الإقليم على حافة الانفجار في نزاع تتجاوز تداعياته الجغرافيا ليهدد الاستقرار الإقليمي برمته، ولتبقى الصين في مرمي ذلك التصعيد، في ظل اندلاع الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت إستراتيجية التوجه شرقًا لمحاصرة الصعود الصيني في آسيا، فضلًا عن سعيها لتعزيز ودعم الدور الهندي لموازنة الدور الصيني. وهو الأمر الذي تجلى في الإعلان عن تشكيل تحالفات فى منطقة الإندوباسيفيك، وفي مقدمتها تحالف كواد الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا واليابان والهند، الذي أنشىء عام 2007 وأُعيد تفعيله عام 2017 لاحتواء الصين والوقوف أمام صعودها العسكري والاقتصادي، كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فى منتصف سبتمبر 2021 عن تحالف أوكوس، يضم إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية كل من أستراليا وبريطانيا، ويهدف التحالف إلى إمداد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية في محاولة لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي.

(*) المسار الثاني وهو الأرجح، استمرار المناوشات والمواجهات بين الجانبين فى إقليم كشمير لفترة محددة: على أن يتجه منحنى التصعيد نحو التهدئة فى ظل وجود كوابح مؤثرة، منها ما يرتبط بإمكانية إدانة باكستان لما حدث، أو تعزيز لأدوار وساطة إقليمية أو دولية، فضلًا عن أن امتلاك الدولتين للسلاح النووي سيحول دون تفاقم الأوضاع بينهما باعتباره عنصرًا رادعًا سيسهم في منع خروج الصراع عن السيطرة.

مجمل القول، سيظل إقليم كشمير بشطريه الهندي والباكستاني مصدرًا للصراع بين الدولتين، وهو الأمر الذي يتطلب منهما دعم إجراءات بناء الثقة داخل الإقليم، وذلك من خلال تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي، والتنموي كمدخل ثنائي للنهوض بأوضاعه، وهو ما يتطلب إجراء حوار بنْاء بين الهند وباكستان يجعل من الإقليم مصدرًا للاستقرار الإقليمي فى آسيا بشكل عام.